المرأة والكتابة:
العنصر الثاني من حقل الكتابة في النقد النسوي لدى الباحثة كتابة المرأة ، وقد حظي هذا القسم بمقالتين: الأولى بعنوان: "كتابة المرأة: القصة وهواجس المرأة" ابتدأتها بسؤال من أسئلة النقد النسوي الغربي، يتمثل بمدى اختلاف كتابة المرأة عن كتابة الرجل في الأدب، والكاتبة ترى أنّ الوقوف على كتابة الرجل وموازنتها بكتابة المرأة هي السبيل للإجابة عن هذا السؤال، إلا أنها لا تفعل ذلك نظراً لظروف مجال الكتابة وبناءً عليه فهي ستكتفي بكتابة المرأة وحدها مستعينة بما هو مألوف من كتابة الرجل عن المرأة، وعليه فإنها ستقف عند الموضوعات التي جاءت مقدمة في القصص القصيرة.
كانت أول هذه الموضوعات التي وقفت عندها الباحثة، هي قضية معاناة المرأة بما تندرج تحتها من موضوعات، والتي تنحصر بما يلي: عدم التلاؤم مع الزوج، لا مبالاة الزوج، عدم إخلاص الزوج، الخيالات حول العريس الذي لا يرى قبل ليلة الزفاف، حلم الزواج، الجمال والزمن، عدم خصوبة المرأة. ويتمثل عدم إخلاص الزوج في هذه الموضوعات بلهو الزوج وخياناته مع النساء الأخريات، أو مع الزوجة الأخرى وكذلك المرأة الغريمة، ولا يبدو في هذه النصوص من خلال دراسة الكاتبة أنّ هناك فرقاً بين هذه الأنماط الثلاثة من النساء، فلهو الزوج يربط في هذه القصص الخيانة بزواج الرجل من أخرى الذي تجمعه المرأة الغريمة ولا يفرق بين الزوجة الأخرى التي تتصل لأجل أطفالها وامرأة في التلفزيون.
وتتناول ثيمة "عدم التلاؤم مع الزوج" التلاؤم العاطفي، الذي يكون بسبب الفارق في السن بين الزوجين، أو عدم التلاؤم النفسي مما يؤدي إلى عدم الاتفاق في الآراء أو المبادئ، على حين يأتي حلم الزواج والخيالات حول العريس من الموضوعات التي تمتلئ بها القصص، ويبدو من خلالها أن الحلم بالزواج يملأ خيالات الفتيات حتى إذا بلغنه لم يجدنه شيئاً، ومثلها ما تملأ أذهان الفتيات حول العريس شكله، وطوله، ولونه وكيف يظهر، وهل تعرفه أم لا تعرفه قبل الزواج. في حين يجيء ذهاب الجمال بسبب الزمن من الموضوعات التي تثير النساء وتسبب لهن المعاناة، خاصة في مقابل الزوج الذي تمكنه قوة المال من أن يحصل على صبية صغيرة يختارها.
وتأتي الدراسة الثانية بعنوان: "القصة القصيرة وتطورها في كتابة المرأة السعودية"، لا تقتصر على معاناة المرأة كما سبق، وإنما تنفتح لتدرس القصص القصيرة من زوايا متعددة، يأتي السؤال عن كتابة المرأة واحدة منها، وذلك عن طريق البحث في مساهمة المرأة في التجريب القصصي من جهة، وتناول زوايا الرؤية عند الكاتبات التي ينبغي أن تكون مختلفة عن الرجل من جهة أخرى، ومن هنا فهي تمثل جانباً مختلفاً عن الرجل وبهذا تقدم نموذجاً لكتابة مختلفة.
تعتمد الدراسة على التتبع التاريخي، ومن خلاله قسمت الباحثة الإنتاج النسائي إلى ثلاث مراحل: مرحلة البدايات، والمرحلة الثانية والثالثة، بالإضافة إلى الموازنة في بعض نواحي البناء المعماري، فإنّ الجانب الغالب على هذه الدراسة هو الحديث عن الشخصية والموضوع الذي تدور حوله، ولأنّ غالب الشخصيات من النساء فإنّ محاولة الكشف عن زاوية الرؤية هي الغالب على ملامح الدراسة، وهذا ما يقربها من الدراسة السابقة.
وعلى الرغم من أن الدراستين تنصان على أن دراسة الموضوعات هو الهم الأول، بالإضافة إلى "ملاحظة مدى ما يوجد فيها من تطور في التقنية، أو محاولات تجريب في البناء"، ورصد زوايا الرؤية عند الكاتبات، فإن مجيء شخصيات هذه القصص من النساء جعلها صالحة لأن تكون أداة للكشف عن صورة المرأة في هذه القصص، وذلك من خلال الهم الذي يشغلها، والحدث الذي تقوم به، وبناء على ما ورد في الدراسة الأولى يمكن القول إن المرأة كانت معنية بالرجل أكثر من عنايتها بنفسها إذ تعلق عليه كل ما يصيب حياتها من بؤس وتعب، ففي مرحلة الحلم بالزواج، تلوم الرجل على أنه لم يحقق الصورة المتخيلة التي رسمتها له، بالرغم أنه ليس مسئولاً عن تلك الصورة في الحقيقة، كما أنها هي أيضا ليست مسئولة عن الصورة التي يمكن أن يرسمها هو لها.
ومع أنّ الكاتبة عرضت لتلك الصور في سبيل حديثها عن ثيمات النصوص، فهي لم تقف عندها بالتحليل بقدر ما عنيت بالموضوعات وما تثيره من أسئلة تكشف عن زاوية الرؤية لدى المرأة التي يغلب عليها "التعاطف مع عدد من مشكلات المرأة"، الأمر الذي يمكن أن يقدم جواباً عن السؤال الأصلي حول قدرة المرأة على تقديم كتابة جديدة لا تقلد كتابة الرجل. وهو ما يعني أن الباحثة جعلت الموضوعة وزاوية الرؤية الطريق للكشف عن كتابة متميزة للمرأة.
وبالرغم أن موضوع قدرة المرأة على إنتاج كتابة مختلفة عن الرجل كانت موضع جدل كبير بين الدارسين، فمنهم من يرى أنّ ذلك غير ممكن، فالكتابة كتابة لا فرق بين ذكر و أنثى. وآخرون يرون إمكانية ذلك بناءً على المقولة المشهورة لفرجيينيا وولف Woolf" جملة الرجل غير مناسبة للمرأة"، والتي تسعى من خلالها إلى البحث عن إمكانية كتابة خاصة بالمرأة انطلاقاً من قراءة المرأة.
وواضح من الدراستين أن الباحثة ترى أن الموضوعات التي تطرحها المرأة وزاوية الرؤية هي المجال الذي يمكن أن تتميز بها الكتابة، ومن هنا جاء حديثها عن هاتين القضيتين، ولعل هذا ما جعل الباحثة تبث ملاحظتها حول النصوص المختلفة؛ توازن بينها، وتضع نصا في جوار الآخر من مثل قولها: "تظل فكرة التعاطف مع مشكلات المرأة مهيمنة على غالب هذه القصص في هذه الفترة، ولكن تبدو نغمة الخطاب أقل حدة منها في قصص الفترة السابقة"، وكأن الباحثة تفترض أن التعاطف مع مشكلات المرأة ستكون أقل عند الرجال، وأن صورة المرأة لن تكون مشرقة، وعلى الرغم أنه من الممكن القول إن هذا الاعتماد على هذين العنصرين يوحي بأنّ الفرق بين الكتابتين لديها إنما يكون في الموضوعات والرؤية، وهو ما يؤيده ما خلصت إليه في دراستها من أنّ وجود "لغة أنثوية خاصة يبدو هذا أقرب إلى التجربة والشطحات منه إلى نظرية ثابتة"، وهو ما يعني عدم إمكانية بناء كتابة أنثوية خالصة عن طريق اللغة، الأمر الذي يبين موقف الباحثة من قضية الكتابة الأنثوية وعلاقتها بجسد المرأة، إذ نراها تعلّق على وجهة نظر رشيدة بن مسعود حول علاقة الكتابة الأنثوية بتكوين المرأة البيولوجي بعدم وجود ما يدعم هذه الفكرة، وترى أن أفكارها المتصلة بهذا الجانب مبهمة وغامضة، في حين تلمح إلى تناقض ما جاء في كتاب الدكتور الغذامي "المرأة واللغة" في مسألة ربط اللغة بالفحولة.
وفي حين نجد الباحثة ترفض أو تتوقف عند مسألة وجود علاقة بين اللغة وتكوين المرأة البيولوجي، أو وجود كتابة أنثوية، لا نجدها في المقابل تثبت النقيض، فالكاتبة تميل إلى مناقشة الآراء وتبيين وجوه التناقض فيها، دون أن تقدم رؤية يمكن أن تكون مقابلة لتلك الرؤى إلا إذا كان هذا يعني رفض تلك المقولات على الإطلاق وانحيازها للرافضين.
وفي تصوري أن إقامة علاقة خاصة بين المرأة واللغة من الناحية النظرية أمر ممكن، إذا استبعدنا من نظرنا عدم إمكانية أن يكتب الرجل في اللغة نفسها، وأن اللغة الأنثوية معناها اختراع جمل وقواعد جديدة وليس فقط تعبر عن الشخصية الأنثوية، وتعكس ما تشعر به حال الكتابة، ذلك الشعور الخاص الذي يختلف عن شعور الرجل عن نفسه. ولعل فيما أوردته سوسن ناجي من أن يكون ضمير المتكلم وسيلة لعرض الشكل الفني بناءً على تمحور الكاتبة حول ذاتها يصلح لأن يكون بداية لقراءة الأدب النسائي والكشف عن تمظهرات المرأة من خلال كتابتها، ذلك أننا حتى يمكن أن نقف على البعد النظري للكتابة النسائية أو الأنثوية، لا بد أولاً أن نؤمن بالعلاقة بين اللغة والمجتمع الذي يسهم في شيوع ظواهر أسلوبية واختفاء أخرى بناءً على الحالة التي يعيشها منشئ النص، وبناء على أن النص الأدبي هو منتج ثقافي بمعنى أن الثقافة هي التي تنتجه وتعطيه الشرعية كما في نظرية النص، فإنّ المرأة بناءً على موقعها الاجتماعي تختار اللغة بالفطرة التي تناسب ذلك الموقع وتتواءم معه، خاصة إذا ربطنا هذا بثنائية اللغة والكلام عند سوسير Saussur والتي تعني أن اللغة نظام نحوي يوجد بالقوة في أدمغة مجموعة من الأفراد لكل متحدث منها ما يشكل لغته الخاصة بدا لنا كيف يمكن أن تشكل المرأة لغتها الخاصة.
وانطلاقاً من هذه الرؤية يمكن أن نربط بين جسد المرأة ولغتها، ليس بالضرورة من خلال أن النص متولد بعضه من بعض كالمرأة، أو من خلال الاختلاف في وشم المرأة عن الرجل، وإنما من خلال أثر هذا الجسد في رؤية المرأة لنفسها وتعاملها معه، وهو ما ينبني عليه اختيار المرأة للغتها، فبما أنّ المرأة تكون محط عناية الرجل بسبب جسدها في كثير من الأحيان، وأحياناً مكان ظلمه وعنفه وتعديه، كما يقع في حالات الاغتصاب مثلاً، أو التجاهل، فإنّ هذا الجسد جعل المرأة في موقع اجتماعي تكون أحياناً مدافعة عن نفسها عن طريق اللغة، وأحياناً تكون معتدية مستفيدة بجسدها عن طريق اللغة أيضاً، ومن هنا فإنّ اختيار الألفاظ والجمل والتراكيب التي تناسب هذه المواقع هو الذي يعبر عن لغة المرأة بوصفها مضطهدة أو موضوعاً في أحيان أخرى، وبما أن سوسن ناجي ترى أن شيوع ضمير الأنا نوع من التمركز حول الذات، فإنني أرى أن تحول المرأة إلى موضوع أو كائن سلبي، لا بد أن ينعكس على صورتها عن نفسها عند الحديث عن نفسها بوصفها جسداً في المحل الأول سواء أكان مرغوباً فيه أو عنه، فتتلاشى المرأة بوصفها ذاتاً فاعلة معبرة عن نفسها، وتتلاشى الجمل التي تعبر عن هذه الحال، إضافة إلى اختيار المرأة لأصواتها وكتابتها، ولعله من المفيد هنا أن نستشهد هنا بمقولة فرجيينيا وولف: "إن كتابة المرأة دائماً نسائية، ولا يمكن لها أن تكون غير ذلك"، ونضيف إليها هنا أن المشكلة تكمن في القراءة، في كشف جمر المرأة المكبوتة والمقموعة تحت هذا الرماد، ليبين ملامح المرأة الكاتبة هنا.
وانطلاقاً من قيمة القراءة في الكشف عن ملامح لغة أنثوية نصل إلى الجانب الآخر في إمكان إنشاء كتابة أنثوية مختلفة، فبما أنّ المرأة تعيش مشاعر حيال الأشياء مستقلة مختلفة عن الرجل، فمن الطبيعي أن تكون ردة فعلها نحو الأشياء بما فيها اللغة مختلفة عنه، ومن هنا فإنّ تلقّيها للنص وقراءته لن تكون مثل تلقّي الرجل وقراءته، بل قد يكون "من الطبيعي أن تكون هناك رؤية للقارئة الأنثى تختلف قليلاً أو كثيراً عن رؤية الرجل"، وعليه ومن خلال هذه النواة في ردة الفعل يمكن تأسيس ذوق مستقل بالنساء عن الرجال وعن "قواعد الأدب الذكوري التي أصبحت حقيقة عالمية"، ومن خلال هذا الذوق الأنثوي الجديد يمكن أن تنشأ كتابة أنثوية مستقلة.
انتهى
الرياض