ليتني أرجع للغاب فلا
أجعل الشيطان في الدنيا رفيقي
أكل الأعشاب فيها وأرتوي
بالندى المسكوب في الغصن الوريق
مرحاً أركض في أدغاله
كل همي في غروب أو شروق
أن أجار الوحش في وثبته
وأباريه على الخطو الطليق
وحوالينا ربيع مورق
يسكب العطر ويزهو بالبروق
وصغير الريح ناي رجعة
يقرع الأسماع في الصمت العميق
فإذا ما غرد الطير به
دبت النشوة في الوادي السحيق
(طاهر زمخشري)
يرحمك الله يا بابا طاهر لقد قضيت عمرك في صراع مع الحياة في سبيل مبادئك وأداء رسالتك، رسالة التنوير وزرع بذور الحب في عقول الصغار من البشر عن طريق برنامجك الإذاعي يا بابا طاهر أو مجلتك المحبوبة (الروضة) التي كانت روضة من رياض التثقيف للصغار الذين كانوا يتسابقون في يوم صدورها للحصول على نسختها قبل النفاذ وبرامجك ومجلتك نسختان متقنتان من شخصيتك المرحة فقد كنت حبيباً أنيساً تحب الجميع ويحبك الجميع.. وها أنت ترفع شراع سفينتك التي أعباها التعب بفعل الظروف المادية والقسوة الاجتماعية لتتمني أنك كنت تعيش مع قطعان الغابات تأكل من نبات الأرض وتشرب من مياه أغصانها منطلق على سجينك بحربتك دون قيد يعرقل سيرك ولا سلطة تئد طموحك تأخذ ألقاب جرياً حسب استطاعتك من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، أن الساعات القلائل التي التقيت بك فيها لدى الأخ محمد حسين أصفهاني صاحب مطابع الأصفهاني كنت أعشق روحك المرحة، وأرى من خلف نكتك وتعابيرك المرحة ملامح صدمة عميقة قد لا يلاحظها الكثير من الناس، إلا من اقتربت أيديهم من موقد النار فكادت أن تحترق وبقى الخوف مترسباً في أعماقهم ويزيد الامهم أن أمنياتهم وآرائهم ونداءاتهم لا تجد أذناً صاغية ولا نفساً واعية.
وبما أنني معني بما تعانيه أواصل مراحل حياتك التي تمنيتها في الغاب فقد سرت معك منذ أن غرد الطير في ذلك الوادي المعشب والطير لا يغرد إلا عندما يرى الأغصان وهي تتراقص نشوة وحبورا:
وإذا ما رقص الغصن له
نثر الأزهار في كل طريق
وإذا ما أنصت الوحش له
راح يلهو في كهوف وشقوق
وأنا الناهل من غبطتهم
في مجاليهم صبوحي وغبوقي
بل أنا المجدود لا أدري الشجا
لا ولا أعرف أهوال الحريق
أقطف الزهر من الغصن وقد
لفني منه بتحنان المشوق
هل هذا ما تريده أيها الشاعر المجدود المتعب تريد أن تمرح في الغابة بين أشجارها وأزهارها وتشرب من أنهارها وينابيعها تناول ما يلذ لك من الأغصان غذاء ورواء ودواء حياة مرحة لأهم فيها ولا نكد بل سعادة وسرور لأنها خالية من المسؤولية وخالية من الحسد وليس فيها سلطان يجري عليك الحرمان ولا شيطان يجرك لمخالفة منهج الرحمن ورغم كل الآلام وعدم توفر أسباب النجاح لإيصال رسالتك التنويرية في تلك الحقبة المظلمة رغم كل ذلك فإن روحك المرحة أبت إلا أن تطبع مجموعتك الشعرية (6) دواوين تحمل عنوان (مجموعة النيل) على أوراق ملونة توحي بما تحمله جوانحك من حب لألوان الطيف الذي يشعر الفنان باستمرار الحياة دون تراجع عن بلوغ رسالته خصوصاً بعد أن يناله ما نالك:
فقيود العيش أضنت كبدي
بعد أن غالت زفيري وشهيقي
جلجلت بالويل حولي بعد أن
أثخنتني بجروح وحروق
كان الله في عونك حياً وميتاً متمنياً لك من الله النعيم المقيم الذي فيه من عجائب الرحمة مالا عين رأت ولا إذن سمعت.
-
+
- الخبر