كم كنت سعيداً.. بل ولمست ذلك لدى الكثير عندما سمعنا باختيار معالي الدكتور الشيخ عبدالوهاب أبوسليمان شخصية هذا العام المكرمة في الهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية لهذا العام 1432هـ.. هذا الرجل رغم تواضعه وبعده عن الأضواء لأنه بعيد عن الإعلام، أو على الأصح يبتعد عنه.. لا أستغرب منه الوفاء الصادق لأستاذه الشيخ حسن محمد مشاط والذي لازمه تسع سنوات فترة شبابه بعد تخرجه من مدرسة دار الأيتام بمكة المكرمة وتسلق سلم العلم والمجد بالمعهد السعودي فكلية الشريعة، كل هذا لم يمنعه من ملازمة شيخه المشاط وحلقات الحرم العلمية والتي درس فيها وبتعمق اللغة العربية والمنطق والبلاغة وغيرها. وعمله مدرساً بعد ذلك لم يمنعه من التطلع للمستقبل حيث الدراسات العليا في جامعة لندن وحصوله على دبلوم في القانون الإنجليزي.
وبعد عودته مكللاً بأعلى الشهادات عمل أستاذاً بكلية الشريعة بجامعة الملك عبدالعزيز بمكة المكرمة إضافة لمشاركته في الكثير من اللجان والمهام الكبيرة.
وكان له مشاركات مشهودة على مستوى الوطن العربي مثل عضويته للهيئة الشرعية العالمية للزكاة بدولة الكويت، وعمله أستاذاً زائراً بكلية الحقوق بجامعة (هارفرد) بأمريكا، وعضويته لجائزة الملك فيصل العالمية، وجائزة الأمير نايف العالمية للسنة النبوية، وقبل ذلك وبعده عضويته لهيئة كبار العلماء في المملكة بأمر ملكي. كما ألف وحقق وترجم الكثير من الكتب وقدم الدراسات والبحوث.
الحقيقة التي لا تقبل الجدل أن هذا الرجل لا يختلف عليه اثنان في تواضعه وحسن سيرته وعلو همته وسمو أخلاقه.. كنت هذا الصباح الأحد 6-5 قبل الاحتفال به أتذاكر مع زميلي بالعمل الأخ علي بالخير عن شيء مما يمتاز به وقد ذكر لي مجيئه لمكتبة الملك فهد الوطنية في مقرها المؤقت خارج الرياض قبل أسبوعين أثناء الاحتفال بجائزة الملك فيصل يراجع كتاباً سيطبع له بالمكتبة، وكان يمر على من يعرف من الموظفين للسلام عليه وبكل تواضع وعندما خرج، وفي الاعتقاد أن معه مرافقا أو على الأقل سيارة تنتظره وفوجئ الجميع به يؤشر لصاحب سيارة أجرة ليذهب بها دون أن يكلف أحداً بذلك.
أذكر أنه قد استضافني بمنزله العامر بمكة المكرمة قبل نحو ثماني سنوات لتسجيل برنامج التاريخ الشفهي للمملكة.
وقد استقبلنا بمنزله -مع رفيقي- وداخل مكتبه وقدم لنا الشاي والمرطبات رافضاً أن يقدمه أحد منا - إذ لا يوجد لديه خدم أو حشم.
التقيته قبل نحو سنتين عندما كرَّمه النادي الأدبي بالرياض واختيار كتابه (باب السلام) الكتاب السنوي وإقامة حفل تكريمه في مركز الملك فهد الثقافي برعاية معالي وزير الثقافة والإعلام السابق الأستاذ إياد مدني وحضور معالي الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد رئيس مجلس الشورى وقتها بدون دعوة. قال ذلك عند الحديث.. قال جئت وفاءً لأستاذي الذي تعلمت منه الكثير من العلم والمعرفة ومن مكارم الأخلاق، وقال كلاماً كثيراً يفيض محبة وعرفانا مما ذكرني بما كان من المحتفى به مع أستاذه حسن المشاط، فالوفاء والمعروف لا يضيعان هباء، فهذا معالي الشيخ صالح بن حميد لم تمنعه كبرياؤه من الحضور لعدم دعوته أو لمشاغله الكثيرة، بل حضر وشهد بما يعرفه عنه.
أقول بهذه المناسبة: إن تكريم أبوسليمان تكريم لكل الرجال الشرفاء المخلصين لوطنهم ولمجتمعهم؛ فمن أمثال هذا الرجل كالدكتور يحيى بن جنيد وغيره، ومتى نرى المرأة تكرم من على هذا المنبر فهي شقيقة الرجل ولا تقل عنه إنجازاً وعملاً.. {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.. فالله مع العاملين المخلصين.
-
+
- الرياض