شهدت وسائل التواصل الاجتماعية في الفترة الأخيرة حضوراً ملفتاً من شعراء وشاعرات معروفات، حملوا خبرتهم في النشر الورقي عبر الإعلام أو عبر الدواوين الورقية إلى عالم الإعلام الجديد. د. زياد آل الشيخ الذي يشارك بفعالية في تويتر والفيس بوك له أربعة دواوين مطبوعة وله حضور في الإعلام المحلي والصفحات الثقافية وموقع شخصي، الصفحة استضافته لمعرفة رأيه تجاه الاختلاف بين وسط الإعلام الجديد والورقي وتأثيره على الشعر والشعراء. وفي بداية حديثه يرى الشاعر زياد آل الشيخ عدم وجود اختلاف يذكر على مستوى اللغة الشعرية، ويعقب أن ذلك ليس مُستغرباً، لأن وسائل التواصل الاجتماعي ما زالت جديدة على التجربة الشعرية. ففي تويتر مثلاً، ستجد أن الكلام المحصور بمائة وأربعين حرفاً لم يجبر الجميع أن يحصر فكرته في هذا العدد من الكلمات. بل ابتكر الكتّاب وسائل لتجاوز هذا الحد، إما باستخدام الصورة حيث يضع المرسل صورة لصفحة من كتاب أو مفكرة في جواله تتجاوز فيها الكلمات الحد المسموح، وإما من خلال ترقيم الرسائل بحيث تقرأ متسلسلة. ورغم أن من الممكن تجاوز الحدود التي تجعل وسائل التواصل الاجتماعي مختلفة عن غيرها، إلا أن الالتزام بهذه الحدود من قِبل الكاتب ربما خلق نوعاً شعرياً مختلفاً عما يكتبه عادة. فالقصائد القصيرة، التي تشبه الهايكو الياباني، يمكن أن تزدهر في بيئة تويتر مثلاً. هذا لا يعني أن الأشكال الشعرية القصيرة لم تكن مزدهرة قبل وجود هذه الوسائل الجديدة، إلا أن بعض من لا يمارس هذا النوع المكثف من الكتابة قد يجد له دافعاً عندما يتواصل من خلال هذه الوسائل.
وحول ما إذا كانت ذائقة المتلقي ساهمت في الانحدار بالذائقة الشعرية أو جعلتها أكثر رقياً، يقول آل الشيخ إن ذائقة المتلقي تؤثر وتتأثر بما يكتب في وسائل الاتصال جميعها، بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي. لكن ما تختلف فيه مواقع التواصل الاجتماعي عن غيرها من الوسائط، أن الردود الآنية التي تصل من المتلقي أكبر بكثير من غيرها. وهذا التواصل له أثره الكبير على الكاتب بالتأكيد. في المقابل يتأثر المتلقي باطلاعه على تجارب جديدة، وأعمال أدبية لا تفرضها وسيلة التواصل التي يستخدمها. فمثلاً، لا يُوجد في الفيسبوك أو تويتر من يختار النصوص، أو من يختار ما ينشر أو ما لا ينشر. هذا الانفتاح يؤثر على القارئ بشكل كبير، ويجعله مسئولاً مباشراً عما يتلقاه من نصوص. أمر آخر يحتاج الالتفات إليه في هذه الوسائل، لا نجده في الوسائط التقليدية مثل الصحف والإذاعة، أن الذائقة الشعرية والأدبية عموماً تتأثر بذائقة المجموعة. فإعادة الإرسال في تويتر مثلاً، تشكّل آلية من خلالها تعبّر المجموعة عن ذائقتها.
وحول ما إذا كان ذلك يعني ذوبان الذائقة الفردية تحت تأثير ذائقة المجموعة، يرد آل الشيخ بإمكانية حدوث الشيء هذا لكن من الصعب التيقن به، ويضيف أن وسائل التواصل الاجتماعي توفر آلية تشبه الآلية الديموقراطية في السياسة. فإعادة الإرسال تمثل صوتاً في تويتر والفيسبوك، ووضع رسالة في تويتر في المفضلة أو الضغط على زر (يعجبني) في الفيسبوك كلاهما يمثل تزكية فردية لها أثر كبير على المجموعة.
ويرى آل الشيخ أن الشعراء يستطيعون المساهمة في تطوير الشعر من خلال هذه الآليات التي تشبه الديمقراطية وذلك عبر التفاعل مع ذائقة الناس. ففي وسائل التواصل الاجتماعي يجد الشاعر نفسه أقرب إلى ذائقة المتلقي من خلال ردود الأفعال. فسرعة الاستجابة التي تتيحها تقنية التواصل الاجتماعية يمكن أن تعين كل شاعر على التعرف إلى طريقة تلقي الآخرين لما يكتب. ويستدرك بقوله: لا أعني بالتفاعل التنازل عن ذائقة الشاعر بما يتماشى مع ذائقة الأكثرية. لكن أعني التعاطي مع ذائقة الأكثرية أو الأقلية على مستوى الحوار وربما محاولة إحداث تغييرات إيجابية من خلال هذا التواصل المكثف الذي نراه في شبكات التواصل الاجتماعية، الأمر الذي لم يسبق له مثيل. فشبكات التواصل الاجتماعية فرصة للكلمة الشاعرة أن تصنع أثراً في حياة الناس من خلال التفاعل مع الأحداث الآنية، وقد ينتج عن ذلك تطوير لغة جديدة أكثر حيوية للتعبير عن الحياة المعاصرة.
وفي رده على سؤال حول إمكانية إيجاد حل للسرقات الفكرية التي تحدث دائماً في وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف يحمي الشاعر نفسه من هذه السرقات، يجيب بوجود جانب تقني لهذه المشكلة وآخر أخلاقي. الجانب التقني يتمثّل في ضعف أدوات البحث في مواقع التواصل الاجتماعي، وبالخصوص الفيسبوك وتويتر، وهما البيئتان الأكثر انتشاراً إلى الآن. أداة البحث وسيلة مهمة في كشف السرقات الأدبية، وفي غيابها، أو ضعفها، يصعب مراقبة هذه الظاهرة وربما مكافحتها. فلك أن تتخيّل أن صفحات المستخدمين دفاتر خاصة، يسجل فيها الفرد ما يعجبه من كتابات، ويحتفظ بها لنفسه وقلة من أصحابه، وقد يخطئ نسبة من المستخدمين في نقل ما يعجبهم دون ذكر المصدر. عدم الإحالة إلى المصدر، ولن أقول السرقة، أمر متوقع إذا نظرنا إلى اختلاف مستوى وعي المستخدمين حول قضية السرقات الفكرية. لكن المشكلة الأكبر برأيي هي عندما تنتقل هذه المختارات الخاصة والمحدودة التأثير في شبكات التواصل الاجتماعية إلى عوالم أخرى مثل الكتاب أو الصحيفة دون ذكر المصدر. فلا أعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي عند إنشائها أخذت في الاعتبار آليات لحفظ الحقوق. فهذه الشبكات الآن مشغولة بمواجهة اتهامات انتهاكات الخصوصية، ونتيجة لشيوع هذه المشكلة أصبحت مجالاً بحثياً مهماً الآن. ويضيف تقع على وزارة الثقافة والإعلام مسئولية الاهتمام بهذا الجانب فعلى رأسها مسؤول مهموم بشئون المبدعين لأنه منهم وهو الدكتور عبدالعزيز خوجة، فتحتاج الوزارة إلى النظر في وسائل حفظ حقوق المؤلف السعودي في هذه المجتمعات الافتراضية. فأعرف، مثلاً، عدداً من الدول تقوم بأرشفة المدونات في الإنترنت كجزء من الأرشيف الوطني لمبدعيها. لكن في غياب هذه الوسائل، يجب أن يحمي الشاعر نفسه من خلال أرشفة كتاباته في مواقع محايدة تظهر التاريخ والوقت، إما من خلال مواقع التواصل نفسها أو غيرها، وأن ينوع في وسائط النشر، كأن ينشر في موقع شخصي بالتزامن مع النشر الورقي من خلال الصحف والمجلات أو الكتب.