يمكننا الآن أن نجري مراجعة بانورامية بعد انقضاء معرض الكتاب، وهدوء العاصفة التي سبقت إقامته، وصاحبت فترته؛ مما أصبح يدل على أننا مأزومون فيما يخص مناسباتنا العامة، خصوصًا إذا كان للمرأة فيها نصيب. أدلى بعض المسؤولين بتصريحات إيجابية عن نجاح المعرض، وفشل الدعوة إلى المقاطعة، وقدم بعض الكتاب تحليلات لما جرى في دورة المعرض هذه، ولما يجري في مثل هذه المناسبات الثقافية. كما تناولت بعض المنتديات والمواقع الإلكترونية وكثير من حديث المجالس طبيعة الشغب، الذي صار يُرتكب باسم الدين، ويُمارس باسم الفضيلة من أناس لا يمتون إلى الفضيلة بصلة.
لكنني سأركز في تحليلي للموضوع على ثلاثة جوانب؛ أولها تصريح الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (وهي الجهة التي يُعدُّ عملها هو مدخل أصحاب الشغب والفوضى والبلطجة)، بأن المحتسبين (من غير الرسميين) يهدفون إلى الخير. ماذا يُفهم من تصريحه؟ وأن التعاون بين وزارة الثقافة والإعلام وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا العام على أفضل حال، لكننا نرغب في مزيد من التعاون. ما طبيعة هذا المزيد؟، بل إني سأطرح سؤالاً أكبر من هذين السؤالين الجزئيين؛ لماذا تكون قضية المعرض بين وزارة الثقافة والإعلام (الجهة الراعية) وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ هل صناعة الكتاب تتعلق أصلاً بتلك الهيئة؟ ولماذا لا يكون التعاون مثلاً بين وزارة الثقافة والوزارات المعنية بالعلم (والكتاب أحد أدوات العلم): وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي، وربما جهات أخرى كالجامعات والمؤسسات التربوية والعلمية والثقافية؟ أما علاقة هيئة الأمر بالمعروف، فهي أضعف من علاقة وزارة الداخلية ووزارة الخارجية بشؤون الكتاب.
الجانب الثاني يتعلق بتصريح أحد المسؤولين عن المعرض قبل انتهائه بيومين أو ثلاثة، بأن رواد المعرض قد بلغوا مليونًا ونصف، وأن الإيرادات قد بلغت أربعة ملايين (المصدر هو القناة الثقافية في شريطها الإخباري عن المعرض). فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا أقلقونا بمقولة: إن الشعب يقرأ ويشتري الكتب؟ فهو بهذه الحسبة لا يصل نصيب الزائر الواحد ثلاثة ريالات. فهل هذا المليون ونصف كانوا يتفسحون في المعرض؟ أنا متأكَّد أن هذه الإحصائية غير واقعية. لكن لماذا يصرح كل من أراد التصريح دون الرجوع إلى وثائق ومستندات. ربما كان صاحب التصريح حسن النية، كالمحتسبين المتطوعين (من وجهة نظر رئيس الهيئات)، لكن حسن النية بمفرده لا يكفي.
أما الجانب الثالث، فله صلة بفوضى التصريحات وقضية التعاون والتنسيق؛ وهو اختصاص الوزارة أصلاً بإدارة المعرض. فقبل سنوات -كما تعلمون- كان تحت إشراف وزارة التعليم العالي، وقبلها كان بإدارة بعض الجامعات السعودية. بينما في دورات إدارة وزارة الثقافة والإعلام، لم يكن لوزارة التعليم العالي، أو الجامعات أي دور، إلا إن كانت ترغب في فتح جناح كغيرها من المؤسسات أو دور النشر. ومن دخل على الخط، وادعى الاختصاص، هو -كما أسلفنا- الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعوف والنهي عن المنكر.
خلاصة الأمر أن إدارة معرض تجاري بحت ليس شأنًا حكوميًا. فلماذا لا يوكل إلى اتحاد الناشرين، أو أي مؤسسة تُعنى بصناعة الكتاب أو إقامة المعارض على أسس تجارية، ليحد من أتباع الفوضى والوصاية. ولا يمكّن من التواجد إلا من تكون مساهمته إيجابية في حماية الناس أو مساعدتهم والاعتناء بهم.
وأعتقد بأن وزارة الصحة والدفاع المدني، وربما المواصلات أقرب الجهات الحكومية (طبعًا بعد الأمن والمرور) اختصاصًا بموضوع مثل هذا. لكن الأهم هو اتخاذ الخطوة الأولى.. وستوجد -بكل تأكيد- كثير من الحلول!
الرياض