أعلنت وكالة الشئون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام قبل فترة ليست قصيرة عن إقامة الملتقى الأول للنحت والمحتمل إقامته الشهر القادم في محافظة الدوادمي الهدف منه دعم الفنانين النحاتين بالمملكة في احتفالية فنية لممارسة فن النحت للمجسمات التشكيلية بأحجام كبيرة وتبادل التجارب الفنية ونشر ثقافة هذا الفرع من فروع الفنون التشكيلية وتفعيل المشهد التشكيلي بالمملكة حيث سيكون الملتقى مفتوحا للفنانين السعوديين الممارسين وللفنانين المقيمين من أصحاب التجارب في فن النحت وستقوم الوكالة باختيار خمسة عشر فناناً نحاتاً للمشاركة في الملتقى وتوفير الخامات اللازمة لورش العمل كالأحجار الكبيرة وأدوات النحت للفنان المشارك وتوفير السكن والإعاشة مدة الملتقى مع تقديم جائزة اقتناء بمبلغ 5000 لكل مشارك مع شهادة خاصة، وقد أشارت الوكالة إلى أن جميع الأعمال المنفذة في الملتقى ستكون ملكا للوزارة. وقد كلف الفنان النحات على الطخيس بمهام التنسيق.
لهذه الأسباب اختيرت الدوادمي
هذا الإعلان عن إقامة أول ملتقى لفنون النحت في محافظة الدوادمي يدفعنا للعودة إلى ما يمكن اعتباره سببا في الموافقة عليه في هذه المحافظة التي رغم بعدها عن المدن الرئيسية إلا أن المبدعين فيها حققوا ما لم يحققه الكثير من تلك المدن رغم بعد التشكيليين فيها من الإمكانيات والفرص الإعلامية، فالفن التشكيلي في الدوادمي وما يمتلكه أبناؤها من قدرات وطموح، تجاوزوا به المكان تجاه مواقع أكثر تنافسا وسبقوا به الزمان ووصولا إلى مراحل متقدمة من التطور، ما منحهم التقدير والاهتمام وقناعة المسئولين والجهات ذات العلاقة بتكريمهم، فكان من هذا التكريم لإنجازاتهم وحصولهم على أغلب الجوائز في المسابقات التي كانت تقيمها الرئاسة العامة لرعاية الشباب، أن أقيم بين ظهرانيهم المعرض السابع للمقتنيات في صالة نادي الدرع عام 1409هـ بحضور كبار المسئولين عن الثقافة والفنون بالرئاسة في مقدمتهم الدكتور صالح بن ناصر، ومنصور الخضيري، وعبدالرحمن العليق.. وغيرهم، إضافة إلى المسئولين في الجهات الرسمية والخاصة بالدوادمي، وعدد من التشكيليين البارزين من مختلف مناطق المملكة من المشاركين في المعرض وغيرهم، إضافة إلى ما حظيت به ريادة التشكيليين في الدوادمي خلال افتتاحهم لمعارضهم الجماعية لمجموعة الدوادمي التي تضم نخبة من الفنانين في مجالات التصوير الزيتي والرسم والنحت والورش التي أقامه بعض النحاتين منهم والتي أقيمت في الرياض أو الدوادمي بالكثير من التشريف والتقدير من كثير من المسئولين حيث قام العديد من المسئولين على الاطلاع والإعجاب والإشادة بإنجازاتهم.
هذا التكريم كان بمثابة الداعم والمحرك للدماء الجديدة في المحافظة لينتقل النحت بجهودهم من مرحلة المعارض والمسابقات وحصد الجوائز إلى مرحلة الريادة والقيادة أيضا، فكان لهم ريادة النحت والوقوف على أعلى هرم الحضور والمنافسة وإثبات الحقوق الأدبية والفنية لهذا الإبداع، فأصبحت الدوادمي بهذا التحول نبعا لا ينضب ورحما لا يتوقف عن إنجاب المبدعين من النحاتين حققوا وكسبوا ونافسوا به في مختلف المحافل ووصلوا به إلى أعين العالم، فلا يخلو معرضا أو مسابقة محلية أو دولية من حضور للعدد الأكبر من النحاتين من الدوادمي.
أسماء وإبداعات
وإذا عدنا قليلا إلى هذا الجانب ولدور الدوادمي في حضوره وتأثيره وإضافته للساحة في وقت لم يكن للنحت إلا حضورا باهتا وغير مؤثر أو ملفت للنظر، إن علينا الإشارة والإشادة بدور الفنان الراحل عبد الله العبد اللطيف الذي عرفته وتعرفت على قدراته خلال دراستنا في معهد التربية الفنية كزميل وصديق و أخ، فبعد أن عاد من دراسته في الولايات المتحدة في مجال التربية الفنية و أخذه دورات في النحت وممارسته للنحت مع طلبته في ذلك الحين الذين أصبحوا اليوم فنانين رواد منهم من استمر في العطاء ومنهم من توقف لظروف خاصة نذكر منهم على سبيل المثال كل من: علي الطخيس، أحمد الدحيم.. شجعان الرويس. سعود الدريبي تبعهم جيل جديد.. ممن أخذوا دورات تدريبية.
أما الجيل السابق ولم يحالفه الاستمرار لظروف خاصة فهم كل من: الفنانين أحمد الجنيدل. محمد اليحيا. محمد الصقيران. سعد الصقيران. إبراهيم الطخيس. محمد العقيلي. محمد أبو زيد. بالود البالود. إبراهيم سلامه النغيثر. عبدالرحمن الطخيس.
حضور بارز للنحت يستحق التكريم
لا شك أن الفن التشكيلي بالمملكة شهد في السنوات العشر الأخيرة نهضة في حركة النحت، على مختلف أنواع الخامات كال حجر بمختلف أنواعه أبرزها وأقساها حجر الرخام إضافة إلى الخشب ولأعمال التركيبية المؤدية إلى شكل من أشكال النحت بوسائط متعددة.
أصبح لهذا المجال الإبداعي في مختلف مناطق المملكة مبدعين متميزين ومنافسين محليا وعالميا منهم على سبيل المثال لا الحصر من الدمام الفنان الرائد كمال المعلم ومن جدة الفنان الرائد عبد الحليم رضوي والفنان الرائد ضياء عزيز ومن الرياض الفنان الرائد محمد السليم والفنان عبد الرحمن العجلان ومن المدينة الفنان الرائد نبيل نجدي ومن جدة الفنان حسن مليح ومن الطائف محمد الثقفي و من الجوف الفنان فيصل نعمان، إضافة إلى نحاتين تعاملوا مع الخشب مثل الفنان أحمد الأعرج والفنان حسين نواوي، كما برزت الفنانة حلوة العطوي من تبوك.
مدرسة صنعت النحت ونثرت عبيره.
هذا الاهتمام والتفرد من أبناء الدوادمي التشكيليين والإصرار على تحقيق المنافسة وتسجيل تأسيس النحت بهذا الحجم من إعداد الفنانين والأخذ به خارج حدود المحافظة لم يتحقق إلا بالتحدي للحجر وأدواته، تحقق لهم بذلك نشر هذا الفن عبيرا في كل مناطق المملكة ليخرج لنا منها مبدعين في النحت المتكئ فكرة تقنع العقل وتلامس الوجدان وبمختلف الوسائط ومن مختلف التشكيليين والتشكيليات.
الملتقى الأول في رحم النحت وتغيير المفهوم
لقد مر النحت التشكيلي في بداية انطلاقته وخلال بعض مراحله بالكثير من سوء الفهم في مسماه وما يعنيه، خرج لنا البعض بالكثير من التشكيك الذي كاد أن يوقف مسيرته و يؤد في رحمه إلا أن إصرار المبدعين وتفهم المعنيين بمثل هذه التسميات بإقناع للرأي العام الذي لم يكن لديه الفهم الواسع لمفهوم النحت الحديث واعتبار البعض أنه مخالفة للدين عودا إلى ارتباط الاسم بالتماثيل وعبادتها وعلاقتها بما هو محرم فكان تمسكهم بهذه التسمية الحقيقية أن أخرجوه للواقع منافسا على مستوى العالم حاملا القيم الجمالية دون المساس بالخطوط الحمراء التي تشكلها المحاكاة. مؤكدين أن هذا الإبداع بمسماه الحقيقي يزيح الشك الذي شكل جوّا من الخوف أو التردد وإطلاق أسماء أو عناوين بعيدة عن مضمونه وتسميته التاريخية خلط فيها المفهوم والهدف وإشاعة نوع من الإرهاب الذي كاد أن يولد الرهاب لدى بعض التشكيليين فاقدي الثقافة التشكيلية والجاهلين بقيمة هذا الفن وجدانيا وجماليا وتاريخيا.
الخلاصة..
مع تقديرنا لهذا الإنجاز من وكالة الشئون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام ممثلة في الدكتور ناصر الحجيلان الذي أطلق عنان الإبداع من خلال الكثير من الفرص والمعارض للفنون الحديثة والمعاصرة مع الاحتفاظ بكل ما يبدعه التشكيليون على اختلاف أساليبهم، مع ما نؤمل فيه من أن يظهر الاختيار بالمستوى الذي يحقق التكريم لمن كان لهم دور كبير في هذا المجال وخبرات تجاوزت عشرات السنين وإن لم يكن فليمنحوا دروعا تكريمية على إنجازاتهم في وقت لم يكن لهم مثل هذا الملتقى.
الملتقى ميدانا للتنافس الحقيقي للقدرات خصوصا الأحجام الكبيرة التي تبين إخفاق البعض فيها لتعودهم على المساحات الصغيرة المحدودة القياسات التي يتعامل فيها منفذها مع فراغ صغير لا يتجاوز أمتار قليلة بينما سيجد نفسه في فراغ كبير ومفتوح لا حدود له.
monif@hotmail.com