يقول جاك دورسي، مؤسس موقع (تويتر)، إنه في العام 2006 خطرت بباله فكرة إيصال صوت (الفرد) إلى مجموعات كبيرة من الناس، فعمل على ابتكار موقع إلكتروني بسيط وتم تشغيله خلال أسبوعين فقط تحت المسمى الأوليّ twttr كمشروع تجريبي مبدئي لحساب شركة obvious وفي العام 2009 حينما تأكد من نجاح الفكرة وتهافت الناس عليها بشكل مذهل، تم استقلال المشروع عن الشركة واعتماد اسم twitter ومعناه (تغريد الطيور) لأنه يصف الخدمة التي يقدمها تويتر والتي تتمثل في نقل معلومات يبثها (الأفراد) على شكل (تغريدات) متجردة تذهب إلى أكبر قدر من الناس..
أمّا أنا، فقبل ذلك كله بسنوات عديدة، قلتُ في (قصيدة الأفراد) ذات الأجزاء العشرة، المنشورة على عشر صفحات من مجلة أسبوعية عربية سياسية توزع دولياً، والمنشورة كذلك على صفحة كاملة من صحيفة يومية عربية دولية تصدر من لندن، والمترجمة بالكامل إلى اللغة الإنجليزية مرتين عام 2001 في مطبوعة بريطانية وعام 2004 في مطبوعة أمريكية:
(يفترُّ فيكَ هلالُكَ الفضيُّ مبهوراً
بأبّهة البراح، وبالمدى، والنجمتين
فتخلعُ الأثوابُ:
هل في يديكَ مثوبةٌ؟
هل في يديكَ عقابُ؟
غرِّدْ إذاً..
غرِّدْ إذا يتعلّم التغريدَ منكَ غرابُ
غرِّدْ إذاً..
غرِّدْ فلن تنفكَّ فيكَ رقابُ
فاليوم يومكَ، إن وقفتَ، هناك: أنتَ سحابُ
واليوم يومكَ، إن جلستَ، هنا: فأنتَ سرابُ
غرِّدْ إذاً..
غرِّدْ إذاً..)
وبعد هذا النداء، والدعوات الصارخة الصريحة، والمناداة بالتغريد المتجرد من كل أثواب الرقابة والخوف والحذر (أو انتحل اسماً جديداً، قد يهونُ عليكَ إن ترضى لنفسكَ أن تهون..) ها قد أتى اليوم الذي أصبح فيه كل الناس كالبلابل يغرّدون عبر تويتر، إلاّ أنا.. فلا أجد في نفسي أيّ رغبة أو انجذاب نحو هذا الموقع المتاح للجميع، فلم أفتح معه حساباً تجريبياً حتى الآن..
***
الحقيقة المرّة أن ليس هذا ما يطرأ ببالي الآن، بل إنني تمنيتُ لو أن (قصيدة الأفراد) كتبها غيري قبل أن أولد، لكي يحقّ لي أن اشرَحها وأشرّحها وأظهر للناس أنها قصيدة استثنائية في عصرنا، فهي لم تطرح تنبؤات كما تفعل القصائد بالعادة، إنما رسَمَتْ خطوطاً لأشكال لا يستطيع قراءة أبعادها إلاّ من يستطيع التأمّل أثناء القراءة جيداً.. وكأبسط مثال هذا البركان الذي عصف بالعالم عبر التغريد الكتابيّ (تويتر) الذي تفاجأ به مؤسسه الذي لم يكن يتوقعه بهذا الشكل أبداً.. فكل ما يحدثه الآن، وبكل تفصيلاته وتبعاته المتفشية بيننا، مرسومٌ في القصيدة وموقّعٌ ومختومٌ بالأصابع العشر. فماذا إذا كانت فكرة الموقع الشهير مأخوذة بحذافيرها من تلك القصيدة؟ هل ثمة احتمال لذلك؟ أقول: نعم، بعد أن راجعتُ أولى (التغريدات) التي أطلقها فريق عمل (تويتر) حين عثرتُ عليها وترجمتها إلى العربية، فوجدتُ التطابق التام مع عبارات مميزة وردت في القصيدة، ليس أكثرها وضوحاً عبارة (عندما أغرّد هنا فأنا كالسحاب أتجول ويراني كل الناس، أما حين أصرخ وحدي فأنا سرابٌ لا يراه غيري) - راجع المقطع المقتطف من القصيدة وانظر التطابق! وتأمّل كذلك كيف تعلّم التغريدَ من الأبرياء الطيبين ظَلَمةٌ وطغاةٌ وفاسدون صاروا يبثون للناس همومهم وأحلامهم أيضاً (!) وتأمّل كذلك كيف يتم انتحال الأسماء، ولماذا؟!
ثم، ماذا في ذلك؟ وإن تكن ثمة استفادة من القصيدة، أو حتى تنفيذها لتظهر عملياً بشكل تقنيّ ملموس على أرض الواقع، فهل سأقيم الدنيا وأقعدها من أجل إثبات ذلك؟ ماذا لو افترضنا العكس: أن شاعراً يكتب الآن قصيدة تصف الكهرباء - مثلاً - وصفاً دقيقاً؟ هل سيقوم توماس أديسون من قبره ليطالب الشاعر بمستحقات مادية مقابل هذه الاستفادة الخارقة؟ أقولُ: بؤساً للشعر والشعراء، وأنا أطالع الفرق بين الحالتين..!!
مع استمرارية التغريد فقط، وانتشاره بين الناس.. قفزت التقديرات لقيمة موقع تويتر السوقية من مليوني دولار إلى مئة مليون ثم إلى أربعة مليارات ثم الآن إلى أكثر من عشرة مليارات دولار، في غضون أربع سنوات فقط، بحسب آخر تقييم له (وفقاً لتقرير نشرته صحيفة وول ستريت قبل شهور)، فبماذا تقدّر قصيدة الأفراد الآن؟ أقول: هي طبعة واحدة للديوان الصادر عام 2001 باسم القصيدة، وكانت الطبعة على حسابي الشخصي وربما أكون قد استعدتُ قيمتها - إلاّ قليلاً - من النسخ المباعة التي لا تتجاوز الألفين.. فهل أقيم دعوى قضائية فعلاً للمطالبة بنصيبي من مليارات تويتر، إن كانت فكرته مأخوذة حقاً من قصيدتي؟ وقبل اتخاذي لأيّ خطوة باتجاه الإجابة عن هذا السؤال، قلتُ محدّثاً نفسي: لنفترض أنني فعلتُ ذلك، وتكبدتُ المشاق الصعبة ودفعتُ المبالغ الطائلة في سبيل إقامة هذه الدعوى - المكلفة جداً - في المحاكم الأمريكية.. هل سأفرح كثيراً إذا وقف جاك دورسي أمام هيئة المحكمة ليعترف: (جميلة هذه القصيدة، التي لم أسمع بها من قبل!)، ثم ينصحني أن أغرّد بها في تويتر..؟!
ffnff69@hotmail.com
الرياض