رغم أن فرصهم كثيرة وإقبالهم عليها كبير وقدرتهم على اقتناص الفرص عالية ومستويات إبداعهم تتزايد وتتطور وتحدث حراكاً وتنافساً قوياً مع جيلهم أو مع من سيقوهم إلا أن الواقع لا زال غير منصف معهم
هؤلاء هم جيل الشباب الذي تحدثنا عنه كثيراً وطالبنا أن يكون له خصوصية وتحديد مسار من بين المسارات المتعددة التي تعيشها الساحة، وقد وجدت مطالبهم في أن يكون لهم معارض مستقلة التجاوب من وكالة الشؤون الثقافية بأن خصص لهم معوضا يحمل اسمهم (معرض الشباب) وأقيم له دورتان واستقطب الكثير من هذا الجيل المعاصر لزمنه ومفاهيم الفن في مرحتله الحالية التي تعددت فيها السبل وأساليب الأداء.
إبداعات تهمش وأخرى تمنح الجوائز
خلال زيارتي معرض الفن السعودي المعاصر لم أكن مهتماً كثيراً بأعمال الزملاء من الفنانين الكبار (سنا) وخبرات وتجارب، فالبعض منهم متمسك بأسلوبه وهذا حق وأمر لا خلاف عليه ونهج سار عليه الكثير من الفنانين العظماء على مر التاريخ وأصبحت تلك الأساليب مدارس يقتدى بها كواقعية دافنشي أو رافائلو، أو تكعيبية بيكاسو وانطباعية سيزان وسريالية سلفادور دالي إلى آخر المنظومة، لكنني كنت في حالة إعجاب بما يقدمه الجيل الجديد من أعمال تنبيء بمستقبل جديد للساحة المحلية واندهاش بأن هؤلاء لا زالو في حدود الضل لم يتلقوا شيئا من الضوء والاهتمام بهم، إبداعات تتنوع فيها المشارب وتبرز فيها ملامح التأثر مع حرص من مبدعيها على التخلص من التبعية أو التكرار أو النسخ، شباب غالبيتهم من الموهوبين المدعمين بالدراسة وتطوير الذات منهم المختص في مجال الفنون عبر مؤهلات علمية إكاديمية ومنهم من يمتلك الموهبة الحقيقية التي يسعون إلى اكتساب الخبرات من أجل النهوض بها.
ملامح المواهب الحقيقية
ويمكن لصاحب الخبرة البصرية والمتابع لمسيرة الفن التشكيلي المحلي عبر سنواته الطويلة التي تتجاوز الخمسين عاماً أن يلم بكيفية تطور الإبداع عند أي شاب يضع قدمه على أول خطوة في الساحة ويمكن لهذا المراقب أن يضع رسماً بيانياً للموهوبين، يستطيع من خلاله تقييم مسار تجاربهم إلى أن ينضج ويكتمل بناءهم الفني، ولنا في المراحل السابقة وفي مسيرة هذا الفن الكثير من الشواهد فهناك من توقع لهم المراقبون بأن يكونوا رموزا يعتز ويفتخر بها فكان لهم ذلك وأصبح أولئك الموهوبين الشباب عمالقة وأسماء كبيرة اليوم، كما نجد في المقابل أن هناك من لم يكونوا في دائرة التوقع بالنجاح فتوقفوا وابتعدوا عن الساحة ولم يكن لهم حضور إلا عبر لوحة أو اثنتين يحتفظون بها في إصدارات المعارض التي شاركوا بتلك اللوحات القليلة فيها.
التجريد سبيل من لا موهبة له
يقال إن الرسالة تعرف من عنوانها، وأن الديك يصيح في البيضة، ونحن نقول إن ما نراه من قدرات في تكوين اللوحة أو المنحوتة تدل على ما يمتلكه الموهوب، يمكن بها استشراف مستقبله وتوقع ما سيكون عليه، وما يجمع في كثير من المعارض من أعمال لفئة الشباب لا يخلوا من النقص ووجود أعمال لا تمت للفن بأي صلة إلا من حيث التلوين والتخطيط وال(عبث)، هؤلاء يحاولون قدر جهودهم وليس قدراتهم أن يقعوا في مسار يكون قريباً مما يقدمه الأفضل منهم أو يحاولون التشبه أو التقليد لأساليب حديثة دون أن يعوا أنها لم تكن لتصل إلى هذا المستوى دون مرور على خبرات طويلة في مقدمتها كيفية بناء العمل على أسس أكاديمية تتلاشى لكنها لا تختفي، وقد شاهدنا ولا زلنا نشاهد استنساخاً ممجوجاً وعبثاً مملاً وجده الكثير من هؤلاء مجالاً للحضور الاجتماعي والإعلامي، حضور لا يستمر وإنما يذوب بهدوء إلى أن يجد هذا الشاب نفسه في نفق لا نهاية له، فلا هو قادر على مواصلة السير للخروج ولا على العودة من حيث بدأ.
ملامح عطاء واعد
أعود للمعرض المعاصر الذي لم يكن بمستوى عنوانه من حيث اختيار الأعمال إلا فيما ندر إذا استثنينا الأسماء المعروفة من قدامى الساحة الذين شاركوا دعماً لهذا المعرض ومنحوا جوائز لجنة التحكيم، أو ممن دلفوا بوابة المنافسة من فناني الجيل الثاني والثالث من أجيال الساحة، وأقف احتراماً لعدد من الأسماء التي كما أشرت لم تأخذ حقها كثيراً في الجوائز أو المشاركات الخارجية ولا في الإعلام، منهم على سبيل المثال الفنانة المبدعة هدى المزروع التي قدمت عملاً مفاهيمياً جمعت فيه بين فكرة دينمايكية التفسير عنونتها ب(التاكسي) تحمل المشاهد إلى أجواء واسعة وأبعاد زمانية ومكانية بناء على العناصر المستحضرة من الواقع والتي وضفتها بشكل متكامل ومقنع، هذه الفنانة وبمثل هذه الأعمال ستجد لها صدى كبيرا في قادم الأيام في حال منحت فرص عالمية كما منح غيرها.
أما المشهد الثاني فهو في اللوحات المسندية التي يغلب عددها في كل معرض على بقية الأعمال الأخرى منها لوحة (تكوين) لصالح الثمالي ولوحة (حروف) ليوسف إبراهيم ولوحة (ايقاعات) لمهدي راجح و(حروفيات) لسعيد الغامدي و(رحيل) لنورة القحطاني ولوحة (تكوين) لغادة المحمدي ولوحة (روحيانيات) لأمينة الزهراني ولوحة (بصمة) لمنيرة بكري ولوحة (لقاء) لنوال السريحي ولوحة (شفاء) لخالد بايونس.
نماذج يمكن أن نجد لها في مستقبل الأيام تطورا وتجديدا ينطلق من موهبة كل منهم كما نقتنص ملامحها من هذه البدايات مع أملنا أن نرى لكل منهم جديدا في المعارض القادمة.
حضور للإحساس وافتقاد للأدوات
الأمر الذي يغفل عنه أو يجهله بعض الشباب القادمين لميدان الفن التشكيلي هو الفارق بين الإحساس بحبهم وميلهم للرسم وبين إمكانية ممارسته كإبداع تشكيلي، ولهذا تنكشف تلك الفوارق، بين من يمتلك القدرة ونرى في أعماله الكثير من الإمكانيات التي تؤهله لعالم الفن التشكيلي بكل مكوناته وأسسه وبين من يجد في تعامله مع الألوان والخطوط متعة الهواية وليس الموهبة، ومن المؤسف أن ينخدع أولئك المحبين للرسم وليس للفن بأن ما يقومون به يدخل في سياق ما يجب أن يكون عليه العمل الفني بمكوناته الفكرية والتقنية، ويمكن أن نشير إلى أن هناك أعمالا تعرض لفئات من الشباب تخلو من أقل مواصفات العمل الفني فأحياناً يعمدون إلى المساحات اللونية وأحياناً يحاولن تطعيمها بشخوص أو رموز تضفي تشويها أكثر منه جمالاً للعمل.
monif@hotmail.com