كأنما كان على موعد مع سوق عكاظ حينما جاء من عسير إلى منطقة مكة المكرمة أميراً لها ذلكم هو الشاعر خالد الفيصل، الذي أقام خيمة النابغة ومنبر قس بن ساعدة وجعل القوم يتحلقون في سوق عكاظ يستمعون إلى أحفاد زهير وحسان والخنساء وأرباب البيان، كان هذا في عام 1428هـ ليعود سوق عكاظ بعد حوالي 1300 سنة من التوقف والغياب الذي فقد معه سوق عكاظ كل شيء سوى اسمه المحفور في الذاكرة والمنقوش في وجدان الأمة، ولهذا فإن تركيز سمو الأمير في البداية كان على ما يكتنزه هذا الاسم من حمولات تاريخيه ودلالات رمزية صح للأمير أن يقول إن سوق عكاظ ماركة مسجلة ليس لها نظير، وهو قيمة معرفية رمزية تحتضن طاقات نفاذه تتجاوز حدود الزمان والمكان، إنه كما كان يقول الأمير خالد «مشروع القرن» ومن هنا كانت الاجتماعات التي عقدها الأمير في الطائف ومكة وجدة من أجل النهوض بهذا المشروع الثقافي الحضاري التجاري كانت تحمل رؤية بعيدة تستهدف جعل سوق عكاظ مدينة حديثة ذات شخصية فريدة تستحضر الثقافي السياحي مع التجاري الاقتصادي بطريقة من شأنها أن تعلى من شأن الفنون وأولها فن العرب الأول وهو الشعر دون أن يتوارى الجانب الاقتصادي الذي يعطى قيمة لتعاضد رأس المال الفكري مع رأس المال المادي في موقع جغرافي تاريخي عريق يتفجر منه الإلهام وتتعلق به الطموحات والأحلام، ليكون شيئاً مميزاً في قادم الأيام.
من أجل هذا كان التركيز على الشعر في البداية، الأمسيات الشعرية والندوات النقدية وجائزة شاعر عكاظ الكبرى وجائزة شاعر شباب عكاظ، وجائزة لوحة وقصيدة، والفلكلور الشعبي، حتى المسرحيات التي تقدم في هذا السوق كانت عن شعراء، أمثال امرئ القيس وطرفة وزهير وعنترة بن شداد، والفقرات الفنية الغنائية قوامها الشعر الموزون المقفى، وهذا الاحتفاء بالشعر في البداية لفت الأنظار إلى سوق عكاظ العائد من غياهب الماضي بصورة جديدة، لترتفع الأصوات وتصدح الحناجر بالكلمات، الأمر الذي اتسعت معه أنشطة سوق عكاظ ليشمل الماضي والحاضر والمستقبل حيث امتدت المساحة المكانية لسوق عكاظ لتتجاور المعارض وتتنافس العقول في تقديم الجديد على مستوى الصناعات والمنتجات والتقنيات الحديثة لنجد أنفسنا أمام جوائز التميز العلمي التي تمنح للباحثين في تقنية النانو وأبحاث الطاقة المتجددة.
لقد عملت مع سمو الأمير خالد أميناً لسوق عكاظ طوال هذه الأعوام الستة لسوق عكاظ الحديث وشهدت ولادة الأفكار وصناعة هذا التاريخ الجديد خطوة خطوة، ولا تزال ذاكرتي تحتفظ بالزيارة الأولى للموقع وهو فضاء رحب يرقص فيه السراب والرياح، وما هي إلا أيام حتى ضج هذا المكان بالشعراء والعلماء المثقفين وأرباب الفنون، وأشرقت شمس ما كان لها أن تشرق لولا وجود هذا الرجل على رأس القائمين على هذا المشروع الذي واجه صعوبات ما كان بالإمكان التغلب عليها لولا وجوده، ليلتقي في سوق عكاظ كبار الأدباء ويشارك في فعالياته الرجال والنساء من مختلف أرجاء الوطن العربي وليشارك في جوائزه الآلاف وليحضر فعالياته الملايين في كل عام، وليكون اسم الأمير خالد الفيصل مرتبطا باسم سوق عكاظ في تاريخ العرب الحديث.
* وكيل جامعة الطائف للإبداع والتنمية