تعرَّفتُ على الأمير خالد الفيصل - أول ما تعرَّفتُ عليه - حين أنهى دراسته الجامعية خارج المملكة، وعاد إلى أرض الوطن؛ ليتسلم أول عمل وظيفي له مديراً عاماً لرعاية الشباب، التي كانت إحدى إدارات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، حين كان الشيخ عبدالرحمن أبا الخيل وزيراً لها، وكانت إدارة رعاية الشباب برئاسة خالد الفيصل تحتل جزءاً قصياً وزاوية مهملة من أرض الوزارة، ولا يزيد عدد موظفيها على عدد أصابع اليد، بمساحة أرضية متواضعة، تضم خمس غرف، إحداها لمكتب خالد الفيصل.
* * *
كنتُ آنذاك - أي قبل خمسة وأربعين عاماً - محرراً رياضياً، وبحكم علاقة محرري الصفحات الرياضية بالمدير العام لرعاية الشباب، التي كانت مسؤولة عن النشاط الرياضي، فقد كانت زياراتنا لسموه - زملائي وأنا - في مكتبه المتواضع متواصلة ودون انقطاع، حيث رحابة الصدر، وحيوية الشباب، والرغبة لدى سموه في تطوير آلية ومستوى العمل في رعاية الشباب، وكان سموه شديد الحرص على أن تصب العلاقة بين رعاية الشباب ووسائل الإعلام - الصحافة تحديداً - في مجرى النهوض بالحركة الرياضية، ووضع أسس وقواعد ثابتة لها، تضاهي أو تحاكي من سبقنا إلى ذلك من الدول في التنظيم وتهيئة الإمكانات، بشكل يمكن بلادنا من تحقيق بعض المكاسب الدولية في المسابقات الرياضية، سواء كان ذلك على مستوى الأندية، أو كان خاصاً بالمنتخبات.
* * *
بدأ خالد الفيصل نشاطه بوضع جائزة سنوية لأفضل الصحفيين الرياضيين؛ وقد جاءت الفكرة لتوثيق العلاقة بين الصحافة والرعاية، كما اتجه على الفور بعد مباشرته لعمله نحو إقناع القيادة بأخذ موافقتها بالترخيص لإنشاء الاتحادات الرياضية، التي كان عدم وجودها يحول دون مشاركة أنديتنا ومنتخباتنا الرياضية في المسابقات العالمية، خاصة مع عدم وجود مبرر للامتناع عن إنشائها، كما اتجه به تفكيره وبُعد نظره نحو إنشاء الملاعب الرياضية بمواصفات أولمبية؛ لتمكين الفِرق والمنتخبات الأجنبية الزائرة من الاحتكاك باللاعبين السعوديين في مباريات تُقام على ملاعب محلية عالمية، وكذلك لإقامة المسابقات الرياضية المحلية على هذا النوع من الملاعب.
* * *
كانت هذه بعض خطوات الأمير خالد الفيصل وهو يعمل في ذلك الجزء النائي والمنزوي ذي المساحة المتواضعة في جزء من أرض وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، قبل أن تنتقل إدارة رعاية الشباب في وقت لاحق إلى مبنى الوزارة، وتشغل هناك أحد الأدوار فيها، وتتم الاستعانة بعدد كبير من الخبراء والمختصين؛ للعمل فيها ضمن اهتمامه بتوسيع اختصاصاتها ونشاطاتها بما مكَّن مديرها العام من إدخال الكثير من الأنظمة والقوانين وتشكيل اللجان والانفتاح على العالم بمؤسساته واتحاداته الرياضية لضبط هذا الجهاز الشبابي والرياضي في هذه الإدارة المهمة للنهوض بالمستوى الرياضي باتجاه العالمية.
* * *
ولم تكن المعوقات سهلة أو يسيرة آنذاك أمام طموح الأمير الشاب، ولم تكن إمكانات المملكة المالية والبشرية بمثل ما هي عليه اليوم، بحيث تسمح بتحقيق هذه الطموحات أو بعضها، لكن ذلك لم يُثنِ من عزيمة خالد الفيصل وسعيه الدؤوب نحو تحقيق الأهداف التي رسمها في ذهنه لرعاية الشباب. وأذكر -على سبيل المثال لا الحصر- أن خالد الفيصل عندما طالب القيادة بملعب رياضي بمواصفات دولية يُقام بالرياض؛ لإجراء المسابقات الرياضية عليه، كان رأي الملك فيصل -رحمه الله- بعدم الحاجة إلى ملعب كهذا بينما هناك ملعب لوزارة المعارف -وزارة التربية والتعليم حالياً- يقع بجوار الرئاسة العامة للحرس الوطني على طريق خريص؛ حيث الطريق الذي اعتاد الملك فيصل أن يسلكه لقضاء بعض الوقت خارج الرياض، ولم تكن عينه أثناء مروره تخطئ أو تنشغل عن تلك اللوحة البارزة والمثبتة على بوابة الملعب التي تشير إلى أنه ملعب دولي؛ ما يعني - بنظر الفيصل - أنه لا حاجة لملعب دولي آخر، وهكذا كان قرار الملك.
* * *
أعاد الأمير للملك فيصل المعاملة مرة أخرى، مشفوعة برجائه وأمله والتماسه بأن يوافق -رحمه الله- على طلبه بحجة أن رعاية الشباب تريد ملعباً دولياً، وأن ملعب وزارة المعارف لا يلبي ولا يستجيب لذلك؛ ليكون رد الملك فيصل حاسماً بأن على الجهات المختصة أن تقوم بالتحقيق مع المتسبب في إنشاء ملعب ليس دولياً؛ ليضطر الأمير خالد بأن يفسِّر للملك ما قد يكون قد فَهمه خطأ من خطابه بأن قال للملك إن الملعب القائم يخص الطلاب في مدارس وزارة المعارف، وأن هذا لا يتطلب أن يكون ملعبهم بمواصفات دولية؛ فيما أن المنتخبات والأندية تحتاج إلى ملعب دولي، لتأتي الموافقة على إنشاء ملعب رعاية الشباب آنذاك (ملعب فيصل بن فهد فيما بعد) بمواصفات دولية بعد أن اتضحت الصورة للملك فيصل.
* * *
وكان خالد الفيصل ذا اهتمام ثقافي متشعب؛ فهو الشاعر المبدع، والخطيب المفوه، والرسام التشكيلي المتميز، والكاتب ذو العبارة الأنيقة والأسلوب الذي يجبرك على متابعته، وقد ظهر هذا جلياً ومبكراً مع تسلُّمه رعاية الشباب، وتخصيص جلسة أسبوعية للأدباء والشعراء والمثقفين في منزله بشارع الجامعة، حيث الجو الثقافي والعلمي والرموز من الشخصيات المتمكنة في هذه التخصصات، التي تحرص على المشاركة، وتجد في هذه الأمسية الأسبوعية في حضور ورعاية واستضافة هذا الأمير المثقف ما يُشبع اهتماماتها الثقافية والعلمية، بينما كان خالد الفيصل يدير هذه المناقشات بين الحضور بأسلوب وتوجهات المثقفين، ويعطي للمتحدثين الحرية الكاملة في المداخلات؛ الأمر الذي شجَّع كل المهتمين على المشاركة أسبوعياً بفاعلية فيها.
* * *
غادر خالد الفيصل مكتبه في رعاية الشباب إلى منطقة عسير في جنوب المملكة أميراً للمنطقة ومن ثم إلى منطقة مكة المكرمة أميراً للمنطقة أيضاً، وبين الإمارتين حكايات وقصص تُروى، من حيث أسلوبه المتميز في الإدارة، وما رافق مسيرته من إنجازات ونجاحات هي حديث الناس سواء في منطقة مكة المكرمة أو منطقة عسير، ولعلها في عسير أكثر وضوحاً بحكم السنوات الطويلة التي أمضاها هناك، ولكن بوادر عمله في منطقة مكة المكرمة -رغم قلة السنوات- بدأت معالمها تظهر بفضل التخطيط السليم الذي ابتدعه خالد الفيصل في إدارته لإمارته الجديدة.
* * *
ولخالد الفيصل نشاطات عدة، فهو صاحب فكرة مؤسسة الملك فيصل الخيرية، وهو الأب الروحي لمجلة الفيصل وصحيفة الوطن، وهو من تبنى جائزة الملك فيصل العالمية، وهناك مؤسسة الفكر العربي التي يقوم برعايتها ورئاستها وهو نجم المنابر محاضراً وشاعراً، وهو في كل هذا وغيره ذو شخصية آسرة بخلقه وتواضعه وحسن تعامله مع الآخرين، دون أن يتخلى عن شخصية الوقار والمواصفات والصفات التي يتميز بها، مع القوة حيناً والتسامح أحياناً أخرى التي تتطلبها الوظيفة ومسؤولية العمل، ما يعني أننا أمام رجل متعدد الاهتمامات والمواهب والمسؤوليات والنجاحات وهذا ما شجعنا على إصدار هذا العدد التوثيقي للتعريف بشيء عنه، مع أن العارف لا يعرف.