قسمت قلبي وسنوات عمري بين ثلاثة أوطان كانت وستبقى عندي وطناً واحداً. ولا شك أن هناك أسباباً عظيمة لا تدري تفسيرها تماماً تجعلك تشعر تجاه بلد بذاته وأرض بعينها بأنها بمنزلة الوطن الأم بالنسبة إليك، يهفو إليها فؤادك، ويعتريك تجاهها حب وحنين جارف وإحساس بالتوحد معها والفخر بها؛ فلا يساورك فيها أدنى شعور بالغربة، وتتخذ من أهلها أهلاً لك، وتجد نفسك منخرطاً بأدق أدق تفصيلات حياتها اليومية وطقوسها المعيشية، وتضحى جزءاً من نسيجها لا ريب.
هذا ما حدث لي تماماً مع وطني المملكة العربية السعودية التي عشت فيها وعملت قرابة عقدين من الزمن.
ولخالد الفيصل - مع حفظ الألقاب وملاحظة أنه ممن يضيفون للقب ولا يضيف اللقب إليهم - حضور رائع وصيت ذائع داخل المملكة وخارجها، وقد عايشت إنجازاته العبقرية على الصعيد القيادي والصعيد الإبداعي والثقافي.
فقد حوّل أبها إلى جنة ذات حُسْن وبهجة، ومنطقة عسير إلى حدائق غناء يؤمها الزائرون من كل حدب وصوب؛ لينعموا بالسحر وهناءة العيش. وهو الآن يواصل مسيرة إنجازاته وعطاءه بنجاح وثبات أميراً لمنطقة مكة المكرمة، أعانه الله وسدّد خطاه.
كنت - وما زلت - أبهر بهذه الشخصية الفذة السهلة الممتنعة التي تمثل النموذج الراقي الرائع للرجل العربي المسلم في الجد والدأب والتعامل والخلق والسمو.. كيف لا وهو ابن الملك فيصل - يرحمه الله - أحد أعظم وأبرز قادة العرب والمسلمين قديمهم وحديثهم.
وخالد الفيصل الشاعر والرسام شكّل بقصائده ولوحاته وجدان أهل الخليج (شعراء ورسامين ومتذوقين) خصوصاً، وسكان الوطن العربي طولاً وعرضاً على وجه العموم؛ فليس هناك من لم يتيم بأشعاره ويرددها ويستشهد بها سيما ما غُنّي منها بأعزب حناجر أهل الفن.
ولكم استمتعت وشغفت بمتابعة نتاجه الإبداعي، وأحتفظ لدي بتسجيلات هي بمثابة الكنوز لأمسياته الشعرية منفرداً أو مشاركاً مع غيره من الشعراء الكبار كالشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي. ويتميز الأمير في أمسياته بحضور طاغ وآسر وتأثير يسلب الألباب والأفئدة، وهذا يندر مثيله عند غيره من الشعراء، ولا غرابة فهو القدوة والمثل عند شعراء النبط جمعيهم، بل وشعراء الفصحى وأنا منهم، فلطالما تجوّلنا في رياض شعره ونعمنا بها؛ فهو بلا شك متنبي الشعر النبطي.
وأذكر أنني أرسلت له بالبريد سنة 2001م نسخة من أول دواويني الشعرية؛ فجاءني خطاب منه يشكرني فيه ويمتدح أشعاري، وقدّرت له هذا أيما تقدير، ورحت أعرض الخطاب بزهو وفرح على أهلي وأباهي به مَن حولي، ووضعته في برواز، وهذا الخطاب إلى الآن يزين صدر بيتي ويشرفه.
إن الكثير الكثير من صديقاتي شاعرات النبط في المملكة والخليج سرن على هدى خطى خالد الفيصل، وكتبن هذا في مقدمات دواوينهن، وذكرنه في حواراتهن وأحاديثهن المختلفة، وكثير منهن زين أغلفة دواوينهن بلوحات من رسم أنامله وإبداع ريشته، وكنا نحن الأخريات نغبطهن أيما غبطة لسبقهن ولنيلهن هذا الشرف دوننا.
قمة الاستمتاع ومنتهى السحر أن تستمع إلى شعر خالد الفيصل بإلقائه!! وغاية الشرف والفخر أن يكون منا ومعنا وبيننا فارس مثله، أدعو الله له بطول العمر والصحة المستديمة واستمرار العطاء والإبداع، وأدعو الله لنا أن يكثر فينا رجالاً من هذه النوعية الواعية الراقية، نوعية خالد الفيصل.
وأحلم بلقاء شعري سيكون استثنائياً ومدوياً بين الأمير ودار الأوبرا المصرية؛ فالقاهرة وخالد والشعر ونحن نستحق ذلك، وليس هذا بمستبعد؛ فجُلّ الحقائق كانت مجرد أحلام وأمان. وأختم ببضعة أبيات مني إليه، ومهما قلت في حقه قليل ولا يوفيه؛ فعذراً لتقصيري:
يٍَا دَائِمَ السَّيفِ السيوف بَوارق
وجيادكم في المكرمات سوابق
والراية الخضراء فوق ربوعكم
تزهو وأسراب الغمام تعانق
شرعوا بحصر نداك يا ابن الأكرمين
فما كفتك صحائف وملاحق
أنهار طيبك كل مجدبة روت
فتضاحكت في الضفتين حدائق
سبحاك بين أولى الحجا يا سيدي
كف تجود وخطو واثق
بسم الشواعر ألف ألف تحية
أنت الشقيق وإنهن شقائق
غنين شعرك نشوة وحماسة
ودنا بهن إليه لحن شائق
أبشر بسعدك دائماً فلنصرة الـ
مستضعفين قد اجتباك الخالق
* شاعرة سورية - القاهرة