أقول بصدق - ودون مواربة - إنني من أشد المعجبين بصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز منذ أن وَعَيْت على اسمه، ووصل ذكره وما يتصف به من مواهب وإبداعات وقدرات متعددة إلى علمي، كان ذلك منذ أواخر الثمانينيات الهجرية حينما عاد إلى وطنه متسلِّحاً بمؤهل عالٍ من أرقى الجامعات البريطانية، وأكثرها شهرة وسمعة علمية هي جامعة أكسفورد العريقة، وكذا حينما أسندت إليه مهام الإدارة العامة لرعاية الشباب التي كانت تتبع - حينذاك - وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. وهي مهام - إلى جانب الشباب والرياضة - تحظى بنصيب وافر من الاهتمام بالفنون والثقافة اللذين يعشقهما سموه حتى الثمالة؛ فهو بحق الرائد الذي وضع أسسهما ولبناتهما الأولى في صلب اختصاصات رعاية الشباب، وظلّت كذلك في عهد خَلِيفَتَيْه سمو الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز (رحمه الله)، وسمو الأمير نواف بن فيصل حتى انتقالهما إلى مسؤوليات وزارة الثقافة والإعلام قبل عدة سنوات. وفي الوقت نفسه كان لسمو الأمير خالد قصب السبق في فتح منزله بالرياض لأول منتدى أو صالون ثقافي تشهده مدينة الرياض حينذاك، وإصداره لمجلة من أهم المجلات الثقافية في بلادنا هي مجلة الفيصل التي أهداها - فيما بعد - لمؤسسة الملك فيصل الخيرية، ولا تزال مجلة الفيصل حتى اليوم تطالعنا بموضوعات جديدة ومتنوعة في شتى المعارف الإنسانية والثقافة البشرية.
وحينما أنيطت بسموه مهام إمارة منطقة عسير، ونجح في تسيير دفتها نجاحاً غير مسبوق لامَسَ مختلف الجوانب الإدارية والفنية والأمنية والتنموية والسياحية أولى معشوقته (الثقافة) جانباً كبيراً من اهتماماته، فأشرف على تأسيس نادي أبها الأدبي الذي أصبح من أبرز الأندية الأدبية في المملكة من حيث النشاط المنبري والنشر العلمي والثقافي، وأنشأ جائزة عسير للتفوق بمختلف فروعها، وما كان يصاحبها من احتفالات سنوية وملتقيات وندوات علمية تتميز بجودة التنظيم، وقوة الطرح، وحسن اختيار من يُدعى إليها من العلماء والمفكرين والكتاب والأدباء من مختلف أنحاء المملكة العربية السعودية وربما من خارجها. وكانت كلمات الأمير خالد الفيصل التي يلقيها في تلك الاحتفالات والملتقيات، وفي احتفالات مؤسسة الملك فيصل الخيرية، ومؤسسة الفكر العربي، وفي كل مكان أو مناسبة يتحدث فيها سموه غاية في البلاغة والإيجاز وسلامة اللغة وجمال الأسلوب الموشح ببعض الجمل القصيرة المسجوعة أحياناً والشعرية أحياناً أخرى مع توخِّي الدقة في اختيار مضامينها، وصياغة ألفاظها وأهدافها ورسالتها التي تصل إلى الملتقى دونما إسهاب أو إطالة يبعثان على السآمة والملل.
وتتضح مقدرة الأمير خالد في الخطابة، وتأثيره في مشاهديه ومتابعيه من الأمسيات الشعرية التي يقيمها، والمحاضرات التي يلقيها، وذلك لما يتمتع به من شخصية جذابة، وقوة في الأداء، ومقدرة في توزيع نظراته وحركاته وسكناته بإحكام تجاه جماهيره الذين غالباً ما يطالبونه بالمزيد كلما أوشك على الانتهاء، أو اقترب من الاختتام.
ولسمو الأمير خالد الفيصل منجزات جمَّة في المجال الثقافي والعلمي والأدبي والفكري والفني يطول ذكرها، ويصعب حصرها واستحضارها في حيّز ضيق كهذا.
على أن إبداعاته في مجال الشعر والنثر والفن التشكيلي جديرة بأن تذكر له، وتحسب له في مجال بروزه وتميّزه، وتكامل شخصيته؛ فهو يقف على رأس الشعراء في المملكة العربية السعودية في اللون الذي ارتضاه لنفسه، واختطه لمسيرته الشعرية، وهو - وإن كان بالعاميِّة - إلا أنه بعاميّة فصيحة لا يجيدها إلا من كان في مثل مقدرة الأمير خالد الفيصل اللغوية وتجربته الشعرية، ونظرته الفلسفية، ونضجه الفكري، وما يظهر في كثير من مكونات شعره من جمال وفن وذوق رفيع وعزّة واعتداد بماض عريق، ومجد تليد، وإمارة متأصلة. ولو اتجه الأمير خالد الفيصل إلى الشعر باللغة الفصحى، وهو قادر على ذلك، لجاء بما لم تستطعه الأوائل، ولكنه آثر أن يكون متسيِّداً للون الذي اختطه لنفسه، وهو بذلك جدير.
فجميع ما اطلعت عليه من قصائد سمو الأمير خالد الفيصل في دواوينه الشعرية، وما استمعت إليه من بعض شعره المغنى، كل ذلك يمثل لوحات تشكيلية رُسِمَت في مخيلة قائلها قبل أن يضعها على الورق.
ولا غرو، فهو فنان تشكيلي بارز، عرفناه من خلال المعارض الكثيرة التي أقامها بنفسه، أو شارك بها مع غيره، ولعله أول من رسم لوحات مستوحاة من الشعر العربي، وأقام معرضاً لتلك اللوحات الشعرية؛ فالشعر والرسم عند الأمير خالد الفيصل صنوان، وكلاهما إبداع مَلَك زِمَامَه، وتمكنّ منه؛ فهو مبدع بطبعه، وفنان بجِبِلَّته.. فنان إذا رَسَم.. وفنان إذا نَظَم..
يفرغ أحاسيسه المرهفة في مختلف إبداعاته شعراً ونثراً ورسماً، فكل لوحة من اللوحات التي رَسَمَها الأمير خالد الفيصل هي قصيدة شعرية نابضة بكل معاني الفن والجمال، وكل قصيدة نَظَمَها هي لوحة تشكيلية ذات معان وأبعاد جمالية عميقة لا يدركها ويسبر غورها إلا العارفون بفن الأمير خالد الفيصل المدركون لما يختلج ذاته من أحاسيس فنية مرهفة.
*عضو مجلس الشورى