حين يكون الحديث عن رجل بقامة خالد الفيصل يقع المتحدث في شرك الوعي بالسؤال، والوعي بالإجابة معاً، فهذا الرجل كما يصف نفسه: (مجموعة إنسان) فهو شاعر مبدع، وفنان تشكيلي من طراز نادر، وقيادي فذّ، ومثقف صاحب قدرة على استشراف المستقبل، ومخطط ذكي، ورجل مبادرات.
ففي الشعر يعد خالد الفيصل واحداً من أبرز شعراء النبط الذين أوجدوا لغة ثانية تأخذ من العامية بساطتها، ومن الفصحى عمقها، فأصبحت قصائده عابرة للقارات، وأصبح اسم (دايم السيف) مرتبطاً بالإبداع الشعري من الماء إلى الماء، وتقديراً لهذا الإبداع ترجمت قصائده إلى لألمانية والإنجليزية والفرنسية والأسبانية والفارسية والأردية والدنمركية. وقد اختير ديوانه الشعري ضمن أكثر 8 كتب عالمية تطبع أكثر من 50000 نسخة، وتحظى أمسياته الشعرية التي يقيمها في داخل المملكة وخارجها بإقبال منقطع النظير، وقد قال لي أحد كبار المثقفين الأردنيين: إن شوارع عمان أغلقت مرتين، عندما مات الملك الحسين بن طلال، وعندما دعي الأمير خالد الفيصل لإقامة أمسية شعرية.
وعناية سموه بالشعر لا تقف عند حدود إبداعه، وإنما تجاوزت ذلك إلى العناية به، ونقده، وقد كان من ثمار هذه العناية وقوفه أمام حداثة الشكل وفقر المضامين في القصيدة العربية المعاصرة التي جعلت من الاستنساخ وهماً إبداعياً، وقال كلمته الشهيرة: أريد من القصيدة العربية الجديدة أن تلبس العمامة والعقال!.، وأسس جائزة عكاظ للشعر التي تضم فرعين هما جائزة شاعر عكاظ، وجائزة شاعر عكاظ للشباب، والتي استقطبت شعراء كباراً، وأعادت لسوق عكاظ وهجه الشعري القديم.
وفي الفن التشكيلي خالد الفيصل فنان مبدع، ومعارضه ولوحاته الفنية شاهد على ذلك، ومرسم قرية المفتاحة، وجائزة عكاظ للفن التشكيلي، وشوارع مدينة أبها ومجسماتها الجمالية خير شاهد على ذلك.
وفي القيادة الإدارية يعد من أبرز الأمراء في الفكر الإداري، وقد حقق للمناطق التي عمل فيها (أبها ومكة المكرمة) قفزات هائلة فقد حوّل مدينة أبها إلى قبلة للسائحين، وأوجد شيئاً اسمه السياحة الداخلية، وقاد حركة مشروعات في منطقة عسير جعلتها من أجمل المصايف في العالم عبر نشر ثقافة السياحة، وتطويع العقل والتضاريس لفكر جديد لم يكن مألوفاً قبله.
واليوم تشهد مكة المكرمة معه قفزة هائلة هي القفزة للعالم الأول، والمشاريع التنموية والخطط التطويرية التي تشهدها المنطقة في المركز والأطراف تشبه الحلم، فمدينة عكاظ التاريخية، وشبكة القطار، ومطار جدة، وتصريف مياه الأمطار، والمدن الجامعية، وتنمية أرياف مكة ومحافظاتها، والحرب على الفساد الإداري، وإزالة الأحياء العشوائية، دليل على وعي الرجل وعبقريته.
وفي الوعي الثقافي خالد الفيصل متحدث بارع إذا تحدث تمنيت ألا يسكت، ومحاضراته وكتابه مسافة التنمية وشاهد عيان نموذج لهذا الوعي، وهذا الوعي هو الذي جعله يؤسس جريدة الوطن، ومجلة الفيصل، ويقيم أول مجلس ثقافي في منزله بالرياض ليتحول إلى مجلس أسبوعي في أبها ومكة المكرمة، وينشئ مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث، وجائزة الملك فيصل العلمية، التي أصبحت من أعظم الجوائز العلمية، ومؤسسة الفكر العربي التي تسعى إلى ترسيخ الثقافة العربية، وتعزز الهوية لدى الأجيال الجديدة والتي أصبحت تقاريرها السنوية تمثل مرجعية علمية مهمة للباحثين.
وفي مجال التخطيط سمو الأمير مخطط من طراز نادر، فهو مهندس السياحة الداخلية، وأول محارب لثقافة الغلو والتطرف، وواقع عسير ومكة المكرمة اليوم يؤكد قدرة الرجل على التخطيط والعمل الجاد. إن محاولة إيجاد حل دائم لمشكلة المتخلفين والأحياء العشوائية ونبذ ثقافة العنف من خلال التخطيط وترسيخ ثقافة المواطنة ونبذ ثقافة الإحباط، وتدشين الكراسي العلمية المتخصصة شواهد حية على ما نقول. وفي مجال المبادرات خالد الفيصل أول من دعا إلى إقامة بطولة الخليج لكرة القدم، ومركز الملك فيصل وجائزته، وحرية الصحافة، وربط السياحة بالوعي، وإقامة جائزة أبها للتفوق العلمي والإداري، وجائزة مكة للتميز، وهذه الإنجازات الكثيرة هي التي منحت شخصيته حضورا عالميا فحصل على ثقة ولاة الأمر، وتقدير زعماء العلم، ويكفي أن تضع وكالة ناسا الأمريكية اسم سموه في واحدة من مركباتها التي أطلقتها إلى المريخ عام 2003 م تقديرا لجهوده الإنسانية، وهذا هو خالد الفيصل الذي إذا قال فعل:
ما احب انا المركز الثاني
الأول آموت واحيا به
* مدير جامعة أم القرى