الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز من الشخصيات القيادية التي نحتاجها في هذه المرحلة بالذات من التطورات العربية. فهو رجل قيادي مبادر ويحمل هموم الأمة.. وقد ورثها من أبيه الملك فيصل ويتمتع بقدر كبير من القدرة على المبادرة والتنفيذ.
بدايةً هو رجل جامعي مثقف. وقد استطاع اجتياز حاجز الثقافة النظرية - التي انحبس فيها الكثيرون - وتمثل ذلك عندما أصبح أميراً لإمارة عسير، فقد حول الإمارة، تجديداً وتطويراً، إلى قطعة من عالم جديد مختلف. ويرى البعض أن تجديده وتطويره كان سباقاً على الزمن وعلى التدرج التاريخي الذي يتحمله الناس. وربما كان ذلك صحيحاً في بعض الجوانب. ولكن ثمة حاجة ملحة لرواد في التجديد والإصلاح يهزّون الركود الاجتماعي، ويعملون على تعويض ما فات واللحاق بركب الزمن الذي تخلف عنه معظم العرب للأسف لأسباب كثيرة لا يسعها المجال هنا وسبق أن قاربناها في مجالات أخرى.
وفي مقدمة هؤلاء الرواد المجددين في أيامنا الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود الذي يطبق برنامجاً إصلاحياً حيوياً يذكّر المؤرخين بإصلاحات أبيه الملك المؤسس المصلح عبدالعزيز آل سعود، كما لابد من الإشادة بالبرنامج الإصلاحي للملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البحرين في الجوار اللصيق بالمملكة العربية السعودية، وهو الذي أكد مراراً وتكراراً إنه على خطى الملك (المصلح) عبدالعزيز، هذه (الروح) الإنسانية البناءة حملها أيضاً الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد الذي ابتهج المواطنون في المنطقة بشفائه، ويستعد السعوديون للاحتفال بعودته، بعد أن لقبوه منذ سنين بـ(سلطان الخير) نظراً لأعماله الخيرية المتميزة من خلال مؤسسة (سلطان بن عبدالعزيز الخيرية) التي أنجبت عدداً من المؤسسات النافعة لوطنها وللإنسانية جمعاء في ميدان الخدمة الطبية ومساعدة المنكوبين وهو ما لمسناه من سنوات عديدة في جامعة الخليج العربي، ومقرها مملكة البحرين بالاتفاق المثمر بين (المؤسسة) والجامعة في مجال رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة. يضاف إلى ذلك جائزة سموه العالمية للمياه التي يتبناها (مركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء) بجامعة الملك سعود. وكباحث، لابد لي أن أنوه بدعم سموه للموسوعة العربية العالمية بأجزائها التي تبلغ حوالي الثلاثين، وتمثل أول موسوعة عربية، بهذا الحجم، يستعين بموادها العلمية الباحثون. وذلك ما يجده الباحثون أيضاً في فصلية (البحوث الأمنية) برعاية الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء السعودي، وزير الداخلية، وأجد فيها منذ سنوات دراسات اجتماعية مفيدة في موضوعها. وضمن هذا اللفيف الجليل نجد الأمير خالد الفيصل في مقدمة المصلحين الذين يعملون، لا بالقول فحسب وتلك هي آفتنا في المجتمعات العربية، (فكبر مقتاً عند الله، أن تقولوا مالا تفعلون)، كما ينبهنا القرآن الكريم، بل يقرن القول بالفعل، فهو رجل أفعال لا أقوال، وننتظر على يديه - كعرب - خيراً كثيراً.
عندما جاء إلى البحرين بمناسبة (فكر 6) وهو المؤتمر الفكري السنوي الذي عقدته مؤسسة الفكر العربي في المنامة قبل سنتين، قمت بزيارته في مقر إقامته. ولم يبخل عليّ وعلى الجالسين بحديث الذكريات عن البحرين والسعودية والعلاقة الوثقى بينهما التي رسخها الآباء والأجداد.
كان خالد الفيصل رئيساً لمؤسسة الشباب والرياضة في المملكة العربية السعودية، قبل أن يتولى رئاستها الأمير فيصل بن فهد، رحمه الله.
وكان الزمن أواخر الستينات ومطلع السبعينيات من القرن المنصرم، على عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز.
وكانت البحرين في تلك السنوات تتهيأ لإعلان استقلالها التام عن بريطانيا، وفي الوقت ذاته تأكيد عروبتها وكيانها الدولي المستقل حيال مطالبات شاه إيران.
وفكر خالد الفيصل في تنظيم أول دورة رياضية خليجية لكرة القدم في البحرين إبرازاً لكيانها العربي الخليجي، وتأكيداً لريادتها. وعرض الفكرة على الملك فيصل الذي رحب بها بطبيعة الحال وكان الملك فيصل، رحمه الله، يعمل على صعيد سياسي آخر لحل الإشكال السياسي مع إيران من خلال قنوات عدة.
وانطلق خالد الفيصل، بالتنسيق مع أخيه معالي الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة، وزير الداخلية البحريني (سابقاً) ورئيس الاتحاد الرياضي البحريني في حينه، لتنظيم تلك الدورة الخليجية الرياضية التاريخية على أرض البحرين تأكيداً لخليجيتها وعروبتها. ومن الطريف أن كاتب هذه السطور كان مشاركاً بحكم عمله الرسمي في ذلك الوقت في الإعداد لمجيء مندوب الأمين العام للأمم المتحدة إلى البحرين بعد أن نجحت المساعي العربية والإقليمية والدولية في التمهيد لذلك.
وكان زملاؤنا الرياضيون البحرينيون في غمرة حماستهم لتلك الدورة الخليجية الكروية ينشرون الإعلانات العامة في الصحف والشوارع: (ترقبوا الحدث الهام!!)... وكنا، نحن المشاركين في تلك اللجنة السياسية الإعلامية، ونحن لا ندري باقتراب موعد الدورة الرياضية، نتعجب في سرنا من الإعلان عن الحدث الهام... ونسأل أنفسنا أي (حدث) يعنيه الجماعة؟!
ورويت ذلك لخالد الفيصل الذي كان هو ووالده الملك فيصل، رحمه الله، ممهدين للحدثين الكبيرين معاً، من أجل البحرين....
وقد عمل الأمير خالد على تطوير جائزة الملك فيصل العالمية، إلى أن أصبحت عالمية فعلاً، وفي كل عام يقام حفل في الرياض لتوزيع الجوائز على الفائزين، الذين نال بعضهم، جائزة نوبل - بخاصة في العلوم والطب، برعاية أحد ولاة الأمر من إخوان الملك فيصل رحمه الله. وقد صار نيل هذه الجائزة الرفيعة مطمحاً للشخصيات العلمية العالمية، أو العربية والإسلامية في مجالات تخصصها أو خدماتها. ومن دلائل نجاح هذه الجائزة العالمية في محيطها السعودي استقطابها لمؤرخ كبير هو الدكتور عبدالله صالح العثيمين، المتخرج من أدنبره، أميناً عاماً لها، وهو أستاذ في التاريخ وصاحب المؤلفات التاريخية التي أصبحت مراجع في التاريخ الحديث للمنطقة والتي نال على أساسها جائزة الأمير سلمان بن عبدالعزيز التقديرية للرواد في تاريخ الجزيرة العربية عام 2005م.
وكانت مبادرة خالد الفيصل لتأسيس وإدارة (مؤسسة الفكر العربي) وما أنجزته هذه المؤسسة الرائدة من أعمال ومؤتمرات، في حقل الثقافة العربية وتعميق الوعي العربي في مختلف الأقطار العربية، من المغرب إلى البحرين مروراً ببيروت، مقرها، من المبادرات التي تحتاجها الأمة، ويحتاجها العقل العربي الذي جمد على مقولات وقناعات تجاوزها الزمن وتخطتها حركة العصر، ولابد من هزه هزاً عميقاً بمثل هذه المبادرات الهادفة وكان ما أطلقته مؤسسة الفكر العربي في مؤتمرها الأخير ببيروت (كتاب يصدر... أمة تتقدم) من أهم ما تحتاجه الأمة وثقافتها العربية. وللتاريخ، فإن الأمير خالد الفيصل ينقل بصراحة وأمانة - توصيات المفكرين العرب الذين يشاركون في مؤتمرات المؤسسة إلى الحكام العرب، ليستأنسوا بها فيما يتخذونه من قرارات.
وتابعنا مؤخراً مبادرته لإحياء سوق عكاظ، أقدم منابر التراث العربي، باعتباره أميراً لمنطقة مكة المكرمة وستكون هذه المبادرة سنوية بما يمثل تحدياً كبيراً له للتجديد والتطوير. فسوق عكاظ تبلورت على معطيات تراثية محددة، ولكن الجمهور الشاب المثقف في عصرنا يتطلع إلى المزيد، وإلى الجديد، فكيف يمكن أن نستخرج من التراث العكاظي ما يجذب هؤلاء الشباب ويحببهم في تراثهم العربي الأصيل، دون أن يدعهم عاجزين أمام العصر... وذلك (هم) يحمله خالد الفيصل، بلا جدال!
وفي مجال الكتابة، ولا أعني أشعاره الجميلة ولوحاته التشكيلية فذلك موضوع لدراسة أخرى، قرأت - قبل أشهر - محاضرته الجامعية في شباب الجامعة، كما قرأت مقالته الجريئة الأخيرة عن ضرورة ألا تبقى المؤسسات السعودية المتميزة والمتقدمة كجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية جزراً مغلقة ومنفصلة عن محيطها الواسع وتمنيت لو أنني كتبتها!
نعم... مجتمعاتنا العربية، كلها، وليس المجتمع العربي السعودي فحسب، بحاجة إلى منابر حضارية لا تنحبس في بوتقتها، وإنما تشع على محيطها الاجتماعي الواسع فتحيله حركة ونشاطاً، وتطوراً وتجديداً... وهذا هدف مصيري لا غنى عنه، نحتاج من أجل تحقيقه إلى رجال من مثل خالد الفيصل بن عبدالعزيز.
* مفكر من البحرين
www.dr-mohamed-alansari.com