انتشر في الصحف المحلية وعلى صفحات ومواقع (النت) مؤخراً ما سمي سيراً ذاتية أو روايات، وبعضها خواطر أو خاطرات، وطفق بعض المبتدئين في الكتابة أو التأليف، أو بعض من اعتقد في نفسه المتورمة أنه أصبح عَلماً يُشار إليه بالبنان، يؤلفون سيراً وقصصاً لبطولاتهم الوهمية ومستوياتهم الاجتماعية، فهذا يصور نفسه بطلاً في وجه الأنظمة الاجتماعية وحتى السياسية، ويلفق قصصاً وحكايات عن بطولاته الوهمية، ودخوله وخروجه من المعتقل إلى المنفى والعكس، وآخر يتباكى على الماضي البعيد يوم كان فقيراً معدماً يتقاسم مع أسرته الصغيرة شظف العيش المرّ، ويعتبر ذلك بطولة وتضحية منه في جبهة الصمود والتصدي، مع أن الناس في معظمهم بل في أغلبيتهم الساحقة قبل نصف قرن كانوا على الكفاف، والذي لم يكن فقيراً منهم كان معدماً!
فما بال البعض يتفاخر بأنه عاش في ذلك الزمن مع عائلته الصغيرة معوزاً، ويدعي البطولة لهذا الظرف المزري الذي مرّ على بلادنا قبل انتشار نعمة عائدات النفط ووصولها للجميع، ولاسيما في الطفرتين الماليتين، الأولى في عام 1974م، والثانية التي أعقبتها ببضع سنين؟! وما صاحبَها من تضخم كبير، وسقوط في القيم والمبادئ والأخلاق، بل هبوط الوازع الديني للأسف عند الكثير من شعبنا الذي كان طيباً حتى وقت قريب!!
يا لها من مفارقات عجيبة تلك التي أفرزت لنا أولئك المدّعين في دنيا الثقافة من الأبطال!! تلاه سيل من البطلات في الطفرة الثانية ممن حولن ليس معاناتهن المادية بل كبتهن الاجتماعية إلى توظيف سخيف لطق الحنك وحكي النسوان، عن مواقف وبطولات وتضحيات على شكل قصص وروايات تفتقر للمصداقية بل للفن السردي المتعارف عليه عربياً ودولياً.
لقد انهمر علينا في السنوات العشر السابقة سيل لا ينقطع من الغثاء المحسوب على الثقافة وأدب الاعتراف، على شكل مقابلات صحفية أو إنترنتية أو حتى إذاعية وتلفازية من ناحية، وعلى شكل مقالات وكتب من الناحية الأخرى، حتى أن الناس باتوا وكأنهم قد أصبحوا في عصر الفضاء المفتوح والإعلام المفضوح والعولمة الطاغية على كل شيء! عرايا بلا أسرار أو خصوصية، وحتى الأقمار الصناعية بعد ظهورها في الماضي القريب ساعدت على منعهم من النوم مع زوجاتهم في أسطح المنازل والباحات ومضارب البادية، خوفاً من تصويرهم من الأعلى للأسفل!
إنني أهيب بالزملاء من المحسوبين على الثقافة والكتابة وكذلك الزميلات أن يتواضعوا قليلاً، ولا يحشوا أذهان القراء بهذا الهراء الذي يدّعونه أو يتخيلونه أو يحلمون به، وأن يتواضعوا لله؛ فمن تواضع لله رفعه، ثم لقرائهم ومحبيهم، فلا يسقطون الصورة الجميلة عنهم، ولا يضعون بدلاً من ذلك أقنعة زائفة، وادعاءات جوفاء وقصصاً وروايات تافهة كالغثاء أو الزبد الذي لا يمكث في أرض الخلود الأدبي.
- جدة