الخلاصة
بعد رحلة ممتعة من البحث قضيتها متجولا في أرجاء التاريخ الروائي الجميل بعيداً عن تهويمات المؤرخين وأكاذيبهم الموثقة، آن لي أن أضع القلم وأتفرغ للقراءة مرة ثانية، وهذا دأبي ودأب أقراني ممن شقوا بالتنقل من موضوع إلى آخر، فالبحث بالنسبة لنا لا ينتهي، فما فرغنا من بحث حتى تعلقنا بآخر، والموضوعات تتشابه وتختلف من حين إلى حين.
وقد أعادني إلى هذا الحقل طلب عزيز من إخوة أعزاء في نادي الباحة الأدبي، مما دفعني إلى العودة إلى أضابيري القديمة ومراجعي في زمن مضى، عندما كنت طالب دكتوراه في جامعة جلاسكو، وكنا ندرس هذه المادة من ضمن مواد الدراسة، ممن تخصصوا في الرواية، وكان لزاما عليّ وعلى كل باحث في الرواية التاريخية أن يبدأ بمثل ما بدأت به، وإلا سيكون بحثه ناقصا، كالذي يتخذ الطريق من منتصفه أو أقل من ذلك، فمن يدرس الرواية التاريخية، ولم يبدأ برائدها في العالم (ولتر سكوت) Walter Scott، لم يدرس الرواية التاريخية، بل يخبر عن الرواية التاريخية، وهناك فرق بين الدراسة الأكاديمية والخبر الثقافي المقدم للمتلقي عن شخصية ما، أو علم ما، وقدر الله - تعالى- لولتر سكوت ظروفا جعلت منه رائد الرواية التاريخية في زمانه، وما تلاه من قرون، وفتح مدرسة أثرت في العالم وخرج منها الأدب الحديث، وصدر على أيدي رواد الرواية العالمية، ومنها الرواية التاريخية، موضوع دراستنا، وسألخصها في النقاط التالية:
1- الظرف الصحي، فقد أصيب بالشلل من النوع الخفيف في رجله اليمنى في صغره، مما جعل والده يرسله إلى منزل جده في ضاحية (ميلروز Melrose) إحدى ضواحي مدينة أدنبرة عاصمة إسكوتلاندا، وقد أجاد اللغة الإنجليزية على الحدود بين إسكوتلاندا وإنجلترا، وأكمل دراسته في جامعة إدنبرة، في قسم الكلاسيكيات، وتعلم المحاماة على يد والده، لكنه اهتم بالتاريخ، ووجد أنه يحتاج إلى صياغة جديدة تقربه من المتلقي غير الصياغات التي كتب بها المؤرخون أحداثه.
2- وجود المصادر التاريخية في مكتبة جده، حيث عكف عليها وهضم ما فيها من معلومات.
3- موهبته المبكرة التي نماها من خلال القراءة والتدقيق في حياة الشخصيات.
4- زواجه من الفتاة الفرنسية، حيث اطلع على حياة العظماء الفرنسيين، فكتب أعظم كتاب عن نابليون بونابارت.
5- تأسيسه لمطبعة كان ينشر رواياته من خلالها، وإن كانت شهرته لم تغن عنه شيئا من تراكم الديون عليه.
أصبحت رواياته التاريخية مثار جدل العالم، وتسابق الجميع على قراءتها، وترقب القراء الجديد منه، ونال مرتبة سير من ملك بريطانيا عليها، وأسس مدرسة انتشرت في الشرق والغرب وتأثر بها كتاب الرواية في العالم، وفي مقدمتهم كتاب بريطانيا وفرنسا وروسيا، وامتد تأثيره إلى العالم العربي في بداية عصر النهضة، وفي مقدمتهم الأدباء الشوام الذين أسسوا الصحافة والمسرح في مصر ولبنان.
ونستطيع بعد هذه الجهود الإبداعية والبحثية أن نقرر تقنينا للتاريخ كعلم له أصوله في القصة السردية ذات الاتجاه الواحد، من البداية إلى النهاية في تسلسل موثق براو واحد، في السيرة والقصة الطويلة والمعلومة التاريخية، والرواية وما لها من أصول وقواعد تضبطها، بوجود عنصر واحد لا يوجد في غيرها يسمى (العقدة Plot) فالتاريخ ليس فيه عقدة، بل هو سرد متصل، ومثله السيرة بنوعيها.
بعد ظهور الرواية التاريخية في الأدب العربي، على أيدي الأدباء والصحافيين والروائيين، مثل: فرح أنطون، وسليم بطرس البستاني، وجرجي زيدان ويعقوب صروف، ومن عاصرهم من الأدباء، مثل :علي الجارم ومحمد أبي حديد، وعلي أحمد باكثير، وظهر جيل كتب الرواية الفنية التاريخية، ولكنه اختلف عنهم بتوظيف التاريخ كمادة في داخل النسيج الروائي، ومنهم نجيب محفوظ وخيري شلبي، ورضوى عاشور، وبهاء الدين الطود، وبعض الشباب من الجزيرة العربية، ولم نتمكن من رصد كل الروايات العربية التي وظف كتابها المعلومة التاريخية في أعمالهم لضيق ما منحنا من الوقت، ونخلص من ذلك إلى أن كل عمل روائي ينضوي على مادة تاريخية.
1- أما بالمادة التاريخية الروائية، أو بالمادة الروائية التاريخية.
2- أن الرواية مستقلة بفنها، والتاريخ مستقل بعلميته، 3- أن التاريخ ما يروى من راو واحد، والرواية تروى من روائي وراو وعدد من الشخصيات، 4- التاريخ يسير في خط أفقي خال من العقدة، والرواية في خط رأسي أساسها العقدة.
(حسب الرسم المرفق) 5-التاريخ قصة خبرية موثقة، والرواية قصة موثقة تجمع بين الحقيقة التاريخية والخيال الروائي.
ولا ننسى أن التاريخ ليس بدائري بل هو ممتد في اتجاه واحد،ولكن ما يمكن أن يقال عنه: إن الحدث يتجدد بصيغة العصر، فما دعت إليه الضرورة في القرن التاسع عشر والعشرين من إعادة التاريخ بصيغة رواية، دعت إليه الحاجة اليوم بإعادته بصيغة التصوير (الفلم الروائي)، لأن الناس تشاهد أكثر مما تقرأ، وهذا ما لمسناه في استطلاع بسيط لدور الصورة وتأثيرها على المتلقي في مسلسل(عمر بن الخطاب).
وليست كتابة التاريخ الروائي، أو تجسيده سينمائيا بالأمر السهل، فهو خطير ومؤثر في زمن الصورة.
هذا، وقد اجتهدت في هذا الموضوع قدر الإمكان، فإن وفقت فمن الله- جلت قدرته- وإن قصرت فمن نفسي وتكويني الإنساني، وآخر دعوانا: أن الحمد لله رب العالمين، وسلاما على المرسلين.
***
المراجع والهوامش:
1- انظر، الدكتور سلطان بن سعد القحطاني (الرواية في المملكة العربية السعودية، نشأتها وتطورها) ص273، وما بعدها، نادي القصيم الأدبي، ط2، 2009.
2- انظر، (ديوان الأحكام الكبرى) لابن سهل الأندلسي، تحقيق الدكتور، رشيد النعيمي، مراجعة وتقديم الدكتور سلطان بن سعد القحطاني، الصفحات الذهبية، الرياض، 1997م.
3- لسان العرب، ج1، ص113، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
4- انظر، (السيرة الذاتية... الميثاق والتاريخ الأدبي) ترجمة عمر حلمي، ص12، القاهرة.
5- أحمد السباعي (تاريخ مكة) بيروت.
6- تقي الدين أحمد بن علي المقريزي،(خطط المقريزي)75-167، القاهرة.
7- سعيد الأفغاني (أسواق العرب قبل الإسلام) دار الفكر العربي، دمشق 1959.
8- جرجي زيدان (تاريخ آداب اللغة العربية) دار الهلال، القاهرة.
9- انظر، الدكتور جواد علي(المفصل في تاريخ العرب) مكتبة المشكاة.
10- الدكتور، سلطان بن سعد القحطاني، (الرواية في المملكة العربية السعودية، نشأتها وتطورها)، ص10، ط2 نادي القصيم الأدبي، 2009.
11- جورج لوكاتش (الرواية ملحمة برجوازية) ترجمة، جورج طرابيشي، ص10، بيروت 1979.
12- إدوين ميور، (بناء الرواية)، ترجمة إبراهيم الصيرفي، القاهرة.
13- برسي لوبوك (صنعة الرواية) ترجمة عبد الستار جواد، بغداد 198113-Ifor Evans: short history Of English literature London1978 14- لمزيد من المغلومات، انظر،David Daiches;Critical Approches to literature- Longmans- Lndon.
15- انظر، المقريزي (خطط المقريزي)، مصدر سابق، وابن فهد في تاريخ مكة المكرمة، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
16- انظر،طه حسين(مستقبل الثقافة في مصر)، القاهرة.
17-جرجي زيدان (تاريخ آداب اللغة العربية)3/11دار الهلال، القاهرة 1957 18-أحمد علي جويلي (دراسة في رواية جهاد المحبين لجرجي زيدان) دار المعارف، القاهرة1985.
19- محمد زارع عقيل (أمير الحب) نادي جازان الأدبي، 1990.
20- انظر الدكتور، منصور الحازمي (أبو حديد كاتب الرواية التاريخية) جامعة الملك سعود1980 21.
الدكتور، يوسف حسن نوفل(القصة بين جيلي طه حسين و نجيب محفوظ) القاهرة1971م.
22- انظر، ثلاثية نجيب محفوظ (قصر الشوق) القاهرة، والمقريزي، مصدر سابق.
23- انظر، علي أحمد باكثير (وا إسلاماه) القاهرة 1952.
24- رضوى عاشور (ثلاثية غرناطة) دار الهلال، القاهرة 1991.
25- بهاء الدين الطود (البعيدون) دار الهلال، القاهرة 2001.
26- انظر، علي القاسمي، مجلة نزوى، ع36.
31- محمد صالح ضرار (حياة تاجوج.. والمحلق) بيروت، ط3، 1990.
- الرياض