«فقلت إذن سأتبعه لأخدعه، أقلد ما يقلدني،
لكي يقع الشبيه على الشبيه، فلا أراه ولا أراني»
محمود درويش
ما حيلة الأرق؟ الليل يعود كل ليلةٍ على الناس ليسقي كلاً منهم من كأسٍ «كما تقول فيروز»، وأنا نصيبي ليالٍ كدرةٌ متجهّمة! ألهو مراتٍ مع نفسي فيما يشبه خيال الظل، غير أن ظلي ينتصر ليفزعني وأصير له «أراجوز»!
يخلعني ظلي بحركة مسرحية متقنة، ويجلس مترقباً لي بنصف عينه، أسرّ لأني عثرتُ على من يقاسمني كدر الليل.. أفتح فمي للحديث، فيرفع الظل كفه المتطاول، لا يبدو أنه راغب بالسماع! وفي حين أدرّج خيبتي، يقهقه الظل ساخرًا مثل قرد، تتضاءل قامتي حين يستطيل هو، آخر مرة التقينا فيها قمعْتـُه حين كان يلقي من فمه نصف المكتمل بضع كلماتٍ جوفاء، حاول أن يجعلها حمماً فحرقته وأشعلتِ الجدارَ الذي أراد أن ينقضّ عليه!
هذه الليلة، «لم تكن عروساً من الزنج بقلائدَ من جمان» كما وصفها المعري مرة، فظلي يتعملق حتى يصير ماردًا وتظهر تجاويفه المقززة، إلى جانب الليل أصير بين ماردين أحدهما يسخر مني والآخر يتوعدني بكمٍّ من الكوابيس، بين غمضةٍ عين وانتباهتها تتحلّق حول الظل مجموعةُ ظلالٍ لا أعرف من أين ظهرت، وبدأت ما يشبه الطقوس الأفريقية، ويبدو لي أنني القربان هذه الليلة!
يبدأ الظل وأتباعه بإسدال الستر تلو الستر، وكأنني مصابة بالجذام، ويغدو الستر كتيماً، فلا ينفذ لي ما يفكر به ذاك الكائن الأسود، أو الرمادي، فهو بارعٌ في التلوّن والتماهي بحسب الضوء الذي يستجدي منه حياته، لا يبدو أن هذه الليلة ستحمل لي سوى مزيد من الكَرْب والفزع!!
الغريب أن الظلال كائناتٌ نهارية تطفئها العتمة، فكيف تسلل إلى ليلتي هذا الرتل الذي يزداد طولاً وتزداد جلبته «فما يفهم الحدّاثَ إلا التراجمُ»، ليس هذا أوان الشعر !!! محاصرةً، أنتظر فرصةً أو فرجةً تسنح أطلق فيها ساقيّ للريح، التي تواطأت مع الظل لسحقي، تمارس حيلها وتحاول ما استطاعت لكني أتمسك بمعطفي ولا تتمكّن منه أو مني! الشمس وحدها تمدّ جذري فيصير نخلا ذات أكمام.
سلم الظل الغبي نفسه للريح وما عرف أنها لا تبقي ولا تذر فاقتلعته واستقام العود!
رأيتُ خيالَ الظّلِ أكبر عبرةٍ
لمن كان في علم الحقيقةِ راقي
شخوصٌ وأشباحٌ تمرّ وتنقضي
سريعاً وأشكالاً بغير وفاقِ
تجيء وتمضي تارةً بعد تارةٍ
وتفنى جميعاً والمحرّكُ باقي
- الأبيات للسهروردي
- القاهرة