تقول والدتي: حين تخرج انفث ثلاثاً بعد كل قراءة سورة وإياك والعجب بالنفس فإنه تيه. والكبر والغرور تيه لا حدود لهما، لو جعلتهما في حزمة واحدة وأُلقيتْ في روع أحدهم لظل في تيهٍ طول العمر لا يبرأ منه يخبط خبط عشواء كالذي استهوته الشياطين! وهي علامة فارقة سوداء في المرء لا يحبذها أي مجتمع في أي عصر وقد قيل لخالد بن برمك أنت نعم الفتى لولا أن فيك تيه! وهذا التيه الأصغر المفضي إلى التيه الأكبر! واشتقاق معنوي لفعل أصغر ينتج عنه ضياع أمة فيما بعد بعضها يسبّح لله! ومَنْ صاحب القوم أربعين يوماً أصبح مثلهم! ولقد جاورنا بني إسرائيل قسراً أكثر من ستين حولاً وليس أربعين فلم نر فيهم ربيعاً حقيقياً فجُرِرنا بالمجاورة بتيه أكبر وكان حقنا الرفع على ما بأيدينا ولم يكن تيه بني يهود إلا من تيه نفوسهم وكبرها فجمع الله لهم ذلك بتيه سيناء يدورون في حلقة مفرغة لا يُدرك طرفاها ولم يصدق معنا ومعهم من قال: من جاور السعيد يسعد!!فلم نسعد يوماً واحداً على سعادتهم حتى في أعيادنا وظللنا بعد سياط حزيران نتوه في تيه ملون أشد من قوس قزح وبألوان الطيف كلها من سياسة واقتصاد وثقافة وأدب ولعل التيه الثقافي والأدبي أشد بعثرة ونكاية لأن به تنظّم الأمم أمورها وتلم شعثها وتستلهم تاريخها وأمجادها وبذلك ترتقي سلم المجد مهتدية بإرث يعانق عنان السماء عارفة بحقها وحقوقها فالثورات العالمية كانت نواتها الأدب كالثورة الفرنسية عندما بدأت الثورة الأدبية في المجتمع الفرنسي كان إيذاناً بانفتاح المجتمع على وعي جديد لم يعهدوه من قبل فكانت ثورة حقوق وليست خبز!! فكان الشعراء والفلاسفة والكتّاب وقود الثورة وحماتها حتى أصبحوا رمزاً لثورات العالم الأخرى ضد الطغيان فأصبحت الغذاء المفضّل لثورات سياسية واقتصادية وصناعية يعيش العالم على سلالها منذ عقود وقرون حتى مع فشل الاشتراكية في أوروبا الشرقية وشظف العيش عند تلك الشعوب إلا إن ثورات التجديد أعطت الناس ثقافة الوعي بأهمية الفكر الديمقراطي الصحيح وكيفية التعاطي معه والمحافظة على مكتسبات وقدرات الوطن به فلم يعيشوا في تيه يقتل بعضهم بعضاً غيلةً ويسرق القوي الضعيف حيلةً على قلة ما يملكون ونحن تتوالى علينا الثورات دون جديد يُذكر وإنما قديم يُعاد ونخرج من تيه وندخل في تيه آخر لا نرى نوراً في آخر الرواق أو وميض برق يدل على فجر جديد لأن هرقل لم يمت بعد! وكرسيّه لم تهشمه أيادي الثوار بعد!كبراءنا من فلاسفة وشعراء لم يستيقظوا من سباتهم لكي يشعلوا مصابيح الدجى لأحزاب تتناحر من أجل كرسي يعتقدون أن صناعته لا تتكرر فيقتل بعضهم بعضاً باسم الثورة والوطن دون أن يستلهموا تاريخ الثورات الحقيقة وما آلت إليه، فجحيم دانتي أصبح أرحم من نعيم بشار ورفاقه والأربعون حرامي أصحاب علي بابا أكثر أمانةً ممن يسرق قوت بلاد الرافدين! وأشد إخلاصاً من أحزاب الشرق الأوسط الكرتونية والتي تدّعي كلها الإخلاص والولاء لتراب الوطن ولاتدري أيهما أشد كذباً من الآخر!!؟ وقد اغتسلوا بدماء الأبرياء فكانوا أسوأ من طغاة التاريخ المعدودين وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا! إنه التيه الأكبر والذي ندور فيه كحلقة بني إسرائيل وفي أرض ضاقت علينا بما رحبت وهي أكبر من سيناء وقد شاطرناهم التيه باختلاف العقاب! ومازلنا لانقدر أن نثبت على أرض المعركة فنجمع شتاتنا بحيث كل هزيمة نجيّرها بانتصار وهمي بثغرٍ باسم دون خجل ولو كان فينا نصر بن سيّار ما أوقظنا!! حتى تطرق جيوش العدو أبوابنا!! ولست أقصد أعداء الخارج فقد مللناه وملّنا وليس له بنا إرب!فنحن معه كالسجادةالحمراءوإنما كما قيل الإنسان عدو نفسه! وللجارة آذان تسمع بها، إنها جمهوريات الورق الملون سريعة العطب حين يلعب بها الصغار فنحن رهناء التيه بأشكاله كرهين المحابس الثلاثة وقد تاه فيهم حتى وفاته فلا نريد أن تضحك من تيهنا الأمم وأن تبلغ غايتنا أن نأكل ونشرب! ولا أن نموت ونحن في التيه لم نستدرك أخطاءنا ولم نصنع لأنفسنا تاريخاً تذكرنا به الأجيال كما نذكر أسلافنا بتفاخر يشعرنا أننا أصحاب رسالة.