يُقدم الكاتب عبد الله محمد عبد الله من خلال روايته الجديدة «يتيمة الزوج» الكثير من الصور الإنسانية المعبّرة، والمشاعر المتفانية في مسيرة البحث عن أمل وسط هذا الصراع المادي القوي والمتأجج بين هؤلاء الشخوص الذين لا شك أنهم يُمثّلون واقعاً حقيقياً لا يمكن أن نتجاهله، بل من الأجدى أن يُعدَّ له ألف حساب.. فقد تتحوّل هذه المشاهد التي احتوتها هذه الرواية من كونها مظاهر أو ظواهر إلى واقع أليم، قد يجر على المجتمع سلبيات أكثر حتى تغيب تلك المسحة الإنسانية التي عُرفت عند هؤلاء البسطاء الذي ينشدون حياة هانئة ويجدّون في طلب الحقيقة.
رواية «يتيمة الزوج» تُؤكد أن الكاتب قد اختط لها ومن خلال هذا العنوان أنها بالفعل معاناة «سارة» المرأة التي فقدت فرصة الإنجاب ومتعة الأبناء، إلا أنها ناضلت نضال الأبطال من أجل أن تعكس قيم البساطة والخلق الإنساني الحميد.. فهي التي عنيت بأبناء زوجها «يوسف» الذي تقاسم معها مشوار الحياة على مدى ثلاثة عقود دون يأس أو ملل.
ومع أن الرواية تكتظ بصور التناقضات والتباينات والصور المحتملة عن صراع أنثوي بين امرأة وضرتها، أو كما صوّرها الروائي عبد الله: (شريكتان في قلب يوسف) إلا أن لكل امرأة دورها وحياتها وتكوينها، حيث برعَ الراوي بكل اقتدار في أن يدقق في تفاصيل هذه الحياة المتباينة، بل نراه وقد جدَّ في متابعة البطلة أو الشخصية المحورية، لتنثال هذه الصور أمام القارئ وينهل من مَعين الحكاية العائلية المتدفقة بالتناقضات والتباعد وتنافس المشاعر لا سيما بين «سارة» العاقر وبين «نوف» المرأة الولود التي لا تستطيع هذه الأخيرة مجاراة «سارة» المرأة التي سكنت تفاصيل الحكاية بكل اقتدار، حينما ضربت أروع القيم والمثل الجميلة في صبرها وكفاحها من أجل أن ترى زوجها وقد حقق أحلامه، حتى وإن كانت على حساب حياتها وبقائها.
وما يزيد الأمر تشويقاً في هذه الحكاية العائلية هو أن الكاتب قد استطاع أن يسبر أغوار التناقض والتباين بين شخصية تبذل وتعطي رغم الفقد، وبين شخصية أخرى لا تتورع أن تأخذ كل شيء على نحو مواقف المرأة الأخرى على ضفة الحياة الأسرية في قلب الرجل الذي لا يجد ما يقدمه لتلك الإنسانة النادرة، إلا أن يتمسك فيها ويخلص لها رغم ما يعانيه من عنت وحيف تحيكه مواقف النساء وكيدهن.
فالرواية تسلط الضوء الكامل على حياة الشخصية المحورية «سارة» لا سيما بعد رحيل يوسف، لتعتني بتفاصيل أسرته وهي الهامشية في تكوينهم إلا أنها ظلت وفية للراحلين وعمدت إلى الصبر والمجالدة ولم تعدمها الحياة موقفاً ينصفها حينما وقف معها أبناء زوجها في صور رائعة، إلا أنها واجهت المصائب والمصاعب ولم يفتر لها عزم أو تلين للخطوب.
فالأم «سارة» رمزٌ إنساني يستحق أن نتوقف عنده كثيراً، لأن المشابه له في حياة الواقع نادر وقليل.. فالتفاصيل التي تتواتر في هذا العمل تنقلنا من صورة إلى أخرى حتى إننا نكتشف مع مزيد من القراءة الكثير من الصور المفاجئة التي قد لا نحسب لها أي حساب.
فالراوي العليم يستشعر أهمية البوح الأنثوي، فلا يكل أو يمل من عرض مواقف عاطفية جزلة ورؤى تتداعى في العقل والوجدان، حتى إن المرأة تتصدر المشهد السردي بشكل كامل يعكس رغبة الكاتب في أن تكون هذه التجربة متمثلة في ما تقدمه المرأة من قيم وعطاء وتضحيات إضافة إلى تسجيل بُعد قوي وصلب ينعكس في الكثير من الصور والمشاهد التي يتعاطاها الشخوص في ثنايا هذه الرواية.
يعتمد الكاتب عبد الله في هذا العمل السردي على استنهاض فكرة الفضاء الزماني الرحب في الحكاية، حيث يطوف في القارئ بين حقبة وأخرى لا سيما ما تكون من تجربة لدى الشخصية المحورية «سارة» حينما جعل الحيز الزماني مترامياً ومتشبثاً بفكرة التدرج في بناء الأحداث من جيل إلى آخر، إذ تمثّل في الأسرة الأولى ومن ثم الأبناء وتبعهم في انتظام لازم الأحفاد، حينما وضعوا نصب أعينهم هذه الظاهرة الأسرية التي تستحق أن تتابع وتستقصى تفاصيلها لكي نصل معاً إلى الحقيقة أو لحظة التنوير التي اعتنى فيها الكاتب وجعلها رمزاً من رموز السرد ونقاط ارتكاز تتحول فيها تفاعلات الحكاية من زمن إلى زمن آخر، فيما جاء الحيز المكان متوائماً مع الزمان لنجد أن الأحداث قد تناثرت على مساحة شاسعة من أرض الحكاية بين جنوب الوطن ووسطه وشرقه في رسم بانورامي مُعبّر على رحلة الحياة في زمن التحديات.
***
إشارة:
- يتيمة الزوج «رواية»
- عبد الله محمد عبد الله
- دار بيسان - بيروت - 2013م
- تقع الرواية في نحو 140 صفحة من القطع المتوسط.