في قاعة فندق (رويال فيستفال) في وسط العاصمة البريطانية (لندن) كنا على موعد مع مناسبة متميزة، حيث أقيم يومي السبت والأحد 30 و31 من شهر مارس من هذا العام (يوم المهنة الثالث) الذي نظمته وزارة التعليم العالي والملحقية الثقافية بسفارة المملكة العربية السعودية في لندن، ورعاه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز سفير خادم الحرمين الشريفين لدى المملكة المتحدة، ومعالي الدكتور خالد بن محمد العنقري وزير التعليم العالي، وذلك على هامش حفل تخريج الدفعة الثالثة من طلاب برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي من حملة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه الذين بلغ عددهم أكثر من 3500 طالب وطالبة من المبتعثين السعوديين الذين يدرسون في جامعات مختلفة في أنحاء المملكة المتحدة.
وقد شرفتني جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ممثلة في مديرها معالي الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل برئاسة وفد الجامعة المشارك في هذا اليوم، وبمتابعة مستمرة وحثيثة من الدكتور محمد بن سعيد العلم وكيل الجامعة للتواصل الدولي والتبادل المعرفي الذي لم يأل جهدا في تسهيل كل العقبات وتذليل جميع الصعوبات، وكان ذلك من أهم الأسباب التي ميزت مشاركة الجامعة، وجعلت حضورها متألقا كعادتها في المناسبات المحلية والمحافل الدولية.
والحق أن فكرة إقامة هذا اليوم فكرة رائعة ومتميزة، حيث يعد مناسبة متجددة تتاح فيها للمؤسسات الثقافية والعلمية ومؤسسات القطاع السعودي العام والخاص فرصة توظيف الخريجين السعوديين، وإعطائهم المواقع التي يستحقونها، بعد أن وصلوا إلى مرحلة متقدمة من التعليم والتدريب تمكنهم من مواصلة مسيرة النهضة الشاملة التي تشهدها المملكة.
وأرى أن أهمية يوم المهنة لا تكمن فقط في كونه يتيح الفرصة لتوظيف المبتعثين الذين أكملوا دراساتهم في طيف واسع من الاختصاصات العلمية كالطب والدراسات الطبية، والعلوم الهندسية وعلوم الحاسب الآلي والعلوم الأساسية والقانون والدراسات الاقتصادية وعلوم المال والأعمال والدراسات الإنسانية والعلوم الاجتماعية، بل تكمن أيضاً في كونها توفر للشركات والمؤسسات السعودية من القطاعين الخاص والعام إمكانية التواصل المباشر مع الخريجين، ومن ثمَّ الإسهام على نحو فعَّال في تنمية الوطن وتطوره بسواعد سعودية فتية وماهرة.
وقد سعدت كثيرا وأنا أرى مؤسساتنا التعليمية ومؤسسات القطاع الحكومي العام والقطاع الخاص تتسابق وتتنافس لتأتي بِعَدِّها وعتادها إلى معقل الخريجين؛ سعياً إلى استقطاب الكفاءات العلمية، ومحاولة الإفادة من خبراتهم وتجاربهم الحديثة، وضخ الدماء الشابة في مؤسساتهم، للارتقاء بالمنتج العلمي والمهني في المجالات كافة.
ومما يثلج الصدر ويطيب الخاطر التنوع العلمي الذي لاحظته في تخصصات الخريجين، حيث يجد الناظر فيها تنوعا كبيرا، إضافة إلى كون بعضها يعد تخصصات نادرة، والوطن في أمس الحاجة إليها، خاصة أنها على قدر كبير من الأهمية، كالتخصصات الطبية والهندسية والفيزيائية وغيرها من التخصصات التي نجد الأجانب هم من يشغلها في وطننا في الغالب، وما دام مِن أبنائنا مَن هو مبدع في هذا المجال، ويحمل شهادات عليا فيه، وربما شهادات تفوق وتقدير وتميز، فلماذا لا يتم الإفادة منه، واستقطابه؟ بل إن هذا هو الهدف الرئيس من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، ولا يمنع قبل ذلك من إجراء مقابلات واختبارات لتأكيد أحقيته بهذا العمل.
إنَّ حرص مؤسساتنا التعليمية وقطاعاتنا الحكومية الخاصة على استقطاب أمثال هؤلاء المبدعين من أبناء هذا الوطن هو الاستثمار الحقيقي لهم، وتوظيفهم والإفادة من خبراتهم العلمية الحديثة هي الثمرة التي ينبغي أن يجنيها الوطن من البرنامج الضخم الذي أسسه ويشرف عليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله، وترجمة للجهود الحثيثة التي يبذلها في الارتقاء بهذا الوطن، والسمو بمؤسساته التعليمية، وقطاعاته الحكومية العامة والخاصة.
أما تميز مشاركة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في هذا اليوم فيكفيها فخراً الثناء العاطر الذي تشرَّفتْ به الجامعة من لدن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف الذي أبدى إعجابه بجمال العرض وحسن التنظيم وفعالية المشاركة، فتوَّج ذلك بشهادة شكر وتقدير للجامعة وثَّقت تميز المشاركة، وترجمت الجهود المبذولة، وقد تشرّ َفتُ نيابة عن زملائي باستلامها.
ومما يؤكد تميز مشاركة الجامعة في هذا اليوم تلك الأرتال الهائلة من الطلاب والطالبات الخريجين الذين كانوا يتوجهون صوب موقع الجامعة في بهو الفندق، ويحاولون أن يعرضوا خدماتهم، ويبدون تشرفهم بالعمل فيها، والانضمام إلى كادر أعضاء هيئة التدريس الذين تفخر بهم الجامعة ويفخرون بها، وقد لاحظتُ في المتقدمين والمتقدمات دهشة لا تخفى حين يعرفون عدد التخصصات التي تضمها الجامعة، ويدركون مدى تنوعها واختلافها، وقد كان الكثير منهم يظن أن الجامعة متخصصة في العلوم الشرعية والعربية فحسب، ولذلك فهو يتفاجأ حين يعرف بوجود كليات علمية متخصصة في الطب والهندسة والحاسب الآلي، وأقسام متخصصة في الرياضيات والفيزياء والكيمياء، وغيرها من التخصصات التي لم تكن تحتضنها الجامعة قبل أكثر من خمس سنوات، وهي بلا شك نقلة كبرى للجامعة، ومحاولة منها لاستيعاب كافة التخصصات الأدبية والعلمية، لاحتضان أكبر عدد من أبناء هذا الوطن، وتخريج الكوادر المؤهلة المتخصصة في كثير من العلوم، مع الاحتفاظ بقوتها المتميزة في العلوم الشرعية والعربية.
لقد خطت جامعة الإمام في سنواتها الأخيرة خطوات واسعة بقيادة ربانها معالي الأستاذ الدكتور سليمان أبا الخيل ووكلائه المخلصين، ومن ورائهم الكليات والعمادات ومراكز البحوث، وكان حضورها الدائم في المناسبات المحلية والدولية حضورا لا يضاهيه حضور، وما هذا التوسع في التخصصات إلا ملمح بسيط من ملامح تطورها وقوتها، وأنا أثق تماما أن المسؤولين في الجامعة لن يرضيهم كل ذلك، بل سيتواصل العمل ويزيد التوهج ويتألق الحضور في كل محفل؛ لأن الطموح عالٍ، والأماني كثيرة، والعزم على الوصول والتحقيق موجود بقوة، كما أثق أن المسؤولين في الأقسام العلمية ستسعدهم تلك الاستمارات والسير الذاتية التي قدَّمها أبناؤنا الطلاب والطالبات السعوديون طلباً للانضمام إلى الجامعة، وسيجدون فيهم كثيرين مؤهلين يستحقون العمل في الجامعة التي ستفيد حتماً من خبراتهم العلمية الحديثة التي اكتسبوها في سنوات دراستهم، والجامعة بذلك تحقق الهدف المنشود من برنامج خادم الحرمين الشريفين، وتساعد في تحقيق الاستثمار الحقيقي لهؤلاء المبتعثين، وتسهم في خدمة الوطن الذي نشرف بالانتماء إليه وخدمته.
omar1401@gmail.com
الرياض