في بيوتنا هنالك دائما طفلة يتم بيعها كصفقة، إما أن يشترى جسدها لرجل خمسيني أو ستيني بورقة زواج، أو أن تنتهك طفولتها باسم التربية فتحجب عن العالم باسم حرمتها كأنثى، في بيوتنا هنالك طفلة يكسر قلبها الصغير حتى تصبح زوجة وهي في العاشرة، وطفلة يختفي وجهها بغطاء أسود فلا تبصر نفسها ولا تبصر العالم، في بيوتنا القاصرات لسن هن الفتيات التي تمت المتاجرة بهن في أسواق النخاسة، بل هن اللواتي يبعن في أروقة القضاء باسم الزواج الشرعي وفي بيوت آبائهن باسم الحرام والطفلة المشتهاة، القاصرات لسن فقط البنات اللاتي يبعن بالمال في تجارة جنسية، بل هن في بيوتنا يبعن بمعانٍ مريضة ومشوهة ويدفعن الثمن من أعمارهن وأحلامهن.
القاصرة في بيوتنا إشارة كافية ليتم فرض الحجب عليها، حجب طفولتها ورغباتها في اللعب، حجب صوتها عن الصراخ وفضولها في ملازمة عمل منزلي، حماسها للجلوس مع أخيها أو أبيها، مشاعرها وتعبيرها الطفولي يتحول جميعه إلى منع، الطفلة التي شاركت أخاها لعب الكرة في بيت الجيران تصبح فجأة ممنوعة من باب الشارع، تحولت إلى كائن يستوجب حجبه عن كل عين، الطفلة التي بدأت حياتها في الركض والقفز، تجد نفسها في لحظة واحدة محظورة من كل مكان ومحجوبة عن كل شخص، يتحول ركضها داخل مراكز الترفيه في الأسواق إلى خطوات قصيرة متقاربة ومنضبطة.
بين بيت لا تلبس فيه الطفلة عباءتها إلا في الثانية عشرة من عمرها وبين بيت يحجبها بالعباءة منذ العاشرة، لا يجب أن يعد هذا اختلافا يحقق رضا البيت الأول على نفسه ولا يجب أن يضعه في محل العاتب واللائم للبيت الثاني على تخلفه وإساءة معاملة الطفلة، ليس في هذا اختلاف ودليل على أن ليس كل البيوت كبيوتنا تخطئ في حق بناتنا الصغار، بل هو دليل قاطع على أن ثقافتنا الاجتماعية تكرس نفسها من خلال مثل هذا الرضا عن الذات مقابل السخط على الآخر بمجرد التأخر عامين في حجب الفتاة، البيت الذي يقبل فكرة حجب الطفلة الأنثى واستغلالها النفسي والجسدي بالزواج وغيره، لا يختلف عن البيت الذي يلتف حول فكرة الحجب فيرفض أن يزوجها وهي مراهقة لكنها يحجبها منذ الطفولة، كيف يمكن أن نقتنع بالفرق بين بيت يعتقد أن الطفلة جاهزة للزواج فيزوجها، وبين بيت لا يقبل تزويج الطفلة لكنه يعتقد أنها مجرد امرأة تحرك غرائز الرجال لرؤيتها مما يستوجب حجبها!!
صغيراتنا لسن ضحايا زواج القاصرات فقط، إنهن ضحايا ثقافة تؤمن بشكل عميق أن الطفلة قبل أن تبلغ لم تعد طفلة بل امرأة ناضجة تتحمل كل أعباء الشرف الملقاة على أجساد النساء العربيات، نحن هنا نعرف أن تزويج القاصر جرم فاحش لكننا يجب أن ندرك أيضا أن ثقافتنا الذكورية العصبية بكل موروثها السلبي عن المرأة وعن معاني الشرف المحصورة في جيب من جيوب جسدها، هي الثقافة التي تسوغ لأن يتم زف الطفلة إلى رجل أيا كان عمره، جريمة زواج القاصرات ليست إلا وجها حادا يعبر عن معتقدات ثقافتنا، إنها جريمة لكن القانون الذي يعجز عن منعها وتجريمها هو ثقافتنا التي في أعمق وأقوى معتقداتها تحمل منطق هذه الجرمية.
lamia.swm@gmail.com
الرياض