أعترف لكم بأن زيارتي إلى منطقة عسير هي التي دفعتني إلى التفكير في هذا الموضوع، فقد سمعت
بعض الأدعية منذ نزولي من الطائرة في مطار أبها من مثل: «الله يستر عليكم!»؛ «ربنا يسترك يا ولدي!»؛ «يا رب سترك!». تساءلت بداخلي: لماذا يركزون في دعائهم على طلب الستر لهم من الرب، ويظنون مكافآت الآخرين في أعلى مراتبها، إذا طلبوا لهم ستراً في الدعاء؟
لم أحظ بإجابات مقنعة من تأملي في القرائن، التي تحيط بظروف نشأة تلك الأدعية، ولم تسعفني خلفياتي في التداولية في معرفة ما يمكن أن يكون قد دعاهم إلى اختيار ذلك النوع من الطلب من الرب. فهو لديه خيرات كثيرة، وأنواع متعددة مما يمكنه أن يرسله إلى من طلبه منه؛ فهو لديه الرحمة والمغفرة والعفو والقوة والعزة، وصفات أخرى كثيرة يمكنه أن يمنح منها شيئاً يسيراً لعباده الطالبين منه بالدعاء. كما أن القرآن وكثيراً من الأحاديث قد ذكرت له أسماء متصلة بصفات كثيرة، وبعضها مما يصعب فصله عن بعضها الآخر كالقوة والقدرة، لكن ليس من بين أسمائه الستار، رغم كون تلك الصفات الأخرى قد تسمى بها الرب في نصوص من القرآن أو الأحاديث، مثل: الرحيم، الغفور، الودود، العزيز، الجبار، المتكبر، القوي، القدير ... إلخ.
تأملت فيما يمكن أن يكون دافعاً لهؤلاء الناس في اختيار هذه الصفة بالذات، ليطلبوها من الرب؛ هل لديهم ما يخفونه، ويريدون من الله مساعدتهم على إخفائه؟ أم يتصورون أن لدى كل أحد شيئاً من هذا القبيل، فلهذا يدعون له الرب بأن يستر عليه أفعاله، التي لا تشرفه أن تنكشف؟
تذكرت عباراتنا الانفعالية، التي تخرج من أفواهنا بصفة عفوية، عندما نشاهد شيئاً فظيعاً، أو مرعباً، مثل: يا ساتر! ففي تلك العبارة أظننا نتوجه إلى الرب، ونصفه باسم الفاعل، وليس حتى بصيغة «فعّال» التي أضافها ضمناً بعض من أسموا أبناءهم باسم «عبد الستار». فلماذا ندعوه عفوياً بهذه الصيغة؟ وما علاقة هذه المشاعر بتلك الصفة التي تتضمنها العبارة؟
ما نخاف منه في تلك المواقف يفترض أن يدعونا إلى طلب العون، أو الرحمة، أو القوة، أو غير ذلك من الصفات التي تساعد على الوقوف في خضم تلك الظروف. وليس مناسباً أن نطلب ستر تلك الأحداث.
حاولت أن أجد لذلك تأصيلاً في التراث الديني أو الفقهي، فوجدت قولاً لابن تيمية يقول فيه: «الناس متنازعون هل يسمى الله بما صح معناه في اللغة والعقل والشرع، وإن لم يرد بإطلاقه نص ولا إجماع؟ يطلق عامة النظار ما لا نص في إطلاقه ولا إجماع، كلفظ القديم والذات ونحو ذلك. ومن الناس من يفصل بين الأسماء التي يُدعى بها، وبين ما يخبر به للحاجة، فهو سبحانه إنما يُدعى بالأسماء الحسنى...». كما وجدت رأياً فقهياً أن العلماء اتفقوا على استحسان الأسماء المضافة لله تعالى، مثل: عبد الستار وعبد الناصر وعبد العال؛ فهي من الأسماء المضافة لله إما على وجه الخير، أو على الاسم أو الوصف. ومن المتأخرين يقول ابن باز: لا أعلم في ذلك ما يدل على أن الستار من أسمائه، وإن كان يستعمله الناس. لكن لا أعلم في ذلك حديثاً صحيحاً عن النبي، وإنما جاء الستّير: «إن ربكم حيي ستير يستحي من العبد إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً».
وبعد تأمل طويل توصلت إلى مقارنة تلك العبارة بما لدى البراهيمية من إشارة إلى قول الرب بكلمة «سترا»، فهل هي مما دخل إلى الثقافة الإسلامية من خلال الدعاء الشعبي؟
الرياض