جاء في الصحيحين في غير موضع ما رواه البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ «. قَالَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، قُلْتُ: وَرَسُولِكَ، قَالَ: «لاَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ»، ويستوقفنا هنا حرصه صلى الله عليه وسلم على دقة التعبير وتفريقه بين النبيّ والرسول، جاء في (فتح الباري لابن حجر 1: 307) «فإن لفظ النبوة والرسالة مختلفان في أصل الوضع، فإن النبوة من النبأ وهو الخبر، فالنبي في العرف هو المنبّأ من جهة الله بأمر يقتضي تكليفًا، وان أمر بتبليغه إلى غيره فهو رسول، وإلا فهو نبيّ غير رسول، وعلى هذا فكل نبيّ رسول بلا عكس، فإن النبي والرسول اشتركا في أمر عام وهو النبأ وافترقا في الرسالة، فإذا قلت: فلان رسول تضمن أنه نبيّ رسول، وإذا قلت: فلان نبيّ لم يستلزم أنه رسول، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يجمع بينهما في اللفظ لاجتماعهما فيه حتى يفهم من كل واحد منهما من حيث النطق ما وضع له وليخرج عما يكون شبه التكرار في اللفظ من غير فائدة، فإنه إذا قال: «ورسولك» فقد فهم منه أنه أرسله، فإذا قال: «الذي أرسلت» صار كالحشو الذي لا فائدة فيه، بخلاف قوله: «ونبيك الذي أرسلت» فلا تكرار فيه لا متحققًا ولا متوهما.
ويمكن القول إنّ الأنبياء من غير الرسل لا تتعدى فحوى نبوّتهم إلى غيرهم؛ لأنهم لم يكلفوا ذلك فلا يلزم أحدًا غيرهم الإيمان بفحوى تلك النبوّة، ومن أجل ذلك كان الإيمان الواجب بما أنبئ به إلى الرسل لا الأنبياء، قال تعالى (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة - 285]؛ ولما كان النبيّ أعم في دلالته ربما عُبر به عن الرسول كما في قوله تعالى (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) [البقرة - 177]، والإيمان بالرسل ركن من أركان الإيمان كما تبين في حديث جبريل الوارد في صحيح مسلم وغير كتاب من كتب السنة، جاء في الحديث « قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ».
ننتهي إلى أن النبيّ أعم من الرسول، والإيمان بذوات الأنبياء والرسل واجب، وأما الإيمان بفحوى النبوّة فليس بواجب ما لم تكن رسالة في الوقت نفسه؛ ولذلك كان العذاب بعد بعث الرسول، قال تعالى(وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) [الإسراء - 15].
- الرياض