مِن وَمضةِ الفَجرِ صِغتُ البَوحَ للوطَنِ
لحنًا تردَّدَ في الآفاقِ مِن زَمَـنِ
جعلتُ مِن أَضلُعِي السَّمراءِ محضِنَهُ
فطافَ بِيْ الأمنُ مِن شَامٍ إلى يَمَنِ
أَسكَنتُهُ في قَرارِ الرُّوحِ فارتَسَمتْ
في ناظِرَيَّ الأمَانِيْ وهْيَ لم تَحِنِ
يا مَوطِني لَو تَرى حَرفي يُؤَرِّقُني
لِصُبحِ عِزِّكِ في صَحْوِي وفي وَسَنِي
ولَم يَزلْ يسكُبُ النَّجوَى على قَدَرٍ
ويَنثُرُ الشَّوقَ في سِرٍّ وفي عَلَنِ
ولم يزلْ يَرسُمُ البُشرَى وينفحُها
في الخافقينِ بِلا مَيْنٍ ولا وَهَـنِ
أشتاقُكَ اليومَ نَهْرًا طَابَ مَوردُهُ
للمُدنَفِينَ وبَرْدًا في لَظَى المِحَنِ
أشتاقُكَ اليِومَ دِفئًا مِن حرارتِهِ
تمضِي إلى شَاطِئِ الأَحلامِ بِيْ سُفُنِي
أشتاقُكَ اليومَ آفاقًا معارجُها
تسمُو بروحِي على جرثومةِ الإِحَنِ
فمِنكَ شَعَّ الهدَى وازدَانَ مَوكبُهُ
«بالمصطفَى» فكَأنَّ «اللاتَ»لم تَكُنِ
سمَا على هامةِ الجوزاءِ فانبلجتْ
أنوارُهُ في الدُّنى خَيلاً بِلا رَسَنِ
وافترَّ ثغرُ المدَى عن صُبحِ ملَّتِهِ
فانداحَ نورُ الهُدى في الريفِ والمُدُنِ
زالَ الظلامُ عَنِ الدُّنيا ببعثتِهِ
والشِّرْكُ واراهُ نورُ الحقِّ في الكَفَنِ
يا مَوطِني كُلُّ شِبرٍ فيكَ يأسرُنِي
وَذِي تَضاريسُهُ تَغفُو علَى بَدَنِي
في كلِّ سَهلٍ وفي وادٍ وفي جَبَلٍ
ألقاكَ يَا مَوطِني شَدوًا علَى الفَنَنِ
ألقاكَ بُحبوبةً للأمنِ أيكتُها
تَشدُو بها الطيرُ ألحانًا على أُذُنِي
ألقاكَ في قِبلةِ الدُّنيا ومسجِدِها
ألقاكَ في الروضةِ الخضرَا فتحضُنُنِي
مضتْ ثمانونَ غرًّا من مسرَّتِكُم
وأعقبتْهَا ثَلاثٌ دونَما حَـزَنِ
ولَم تَزلْ موطنِي كالغيثِ نرقبُهُ
وكالفؤادِ كشهدِ النَّحلِ كالشَّجَنِ
يا موطنِي شَرُّ ما لاقيتَ من مِحَنٍ
كالسُّوسِ يَنخُرُ أجسادًا على دَخَنِ
ذاكَ الفسادُ الذي ما حَلَّ في وطنٍ
إلا ويُلقيهِ في دوامَـةِ الفِتَـنِ
فكنْ أيا مَوطني سَيفًا عليهِ ولا
يَصرفْكَ عنهُ جميلُ القولِ من لَسِنِ
مَن رامَكَ العزَّ بَادٍ في بلاغتِه
ولا أَضَرَّ على الأوطانِ من رَطِنِ
فأنتَ مَنْ أنتَ إجلالاً ومَكرُمَة
وأنتَ مَن أنتَ إحسانًا بِلا شَطَنِ
دوامُ عزِّكَ بالإسلامِ مَوثقُهُ
فلتَبْقَ يا مَوطِني شَدْوِي ومُفْتَتَنِي