بَهتَ المطرُ وأوشك أن يتنازل عن دوره في أنشودة السياب و عقدة نزار ومظلات فيروز!!
المطر: الرحمة السائلة. الغمامات القطنية التي تَعْصِر كفها في كل كرة فيقطرُ المطر. المطر الشفاف نهاراً.. النحاسي ليلاً بحسب إضاءات الشوارع واللافتات.. المطر المشرشر خاصتي على زجاجات النصوص حين يجابهني نَصّ وملح جاف كمعادلة أو غُصَّة!
المطر: التكرار الذي لا يَبْهَت.. لهفة البدوي حين يتتبّع رائحته كهندي أحمر, بحثاً في وجه الربيع عن موضع حياة. غريب أسفار.. غريب أمطار!
لم يكن المطر ترفاً مناخياً, وإن كان أجمل أمزجة الطقس على الإطلاق.
سمعتُ رائحة المطر.. شممتُ صوته, وهو يُبدّل بين حِرَف الحواس ويعقّم الوقت!
مطر.. وسلَحْفاة خرجتْ من غلاف لعبة أطفال والتصقتْ بالسماء.
مطر.. ونافذتي زَعْنَفة!
نيفيا:
تمارس جدتي الصباح بكل عفوية الاعتياد.. يُحزنها أن ثمة حروب في مكان تخطئ نطق اسمه, وأن هناك شرّ بلا سبب وفق فطرتها الأولى. تغني أغنية شعبية بينما توضِّبُ (النِجْر) لسحق حبات القرنفل والبن والهال؛ لإعداد القهوة بنكهة لم تخطر ببال مقهى و لا خلطة: « كِنْ في حجر عيني يا عضيدي قذاة.. وأتصبّر وأنا اللي في ضميري يزود «!!
لم تسمع جدتي عن قصيدة النثر, ولا عن المعرِّي ولا عني! تقول عن هواتفنا الذكية جداً: «لعبة»! وتدير مذياعها لتستمع إلى الأخبار. وتدري جدتي أن الأخبار كلها في اللعبة!
تنام جدتي بكل عفوية المسك.. تنام باكراً بكل ما في قلبها وحلقها على وضوء.. بعد أن تُسبِّح كثيراً وتُرطّبُ قدميها بـ (نيفيا) الذي هو اسم كل دهان ترطيب أبيض في قاموسها!
ثم أسألُ: أينا الأخلى بالاً الآن!؟ وأسألُ عن المُدغَمين في العناوين.. الناتئون من الاعتياد!؟
قُلْ: سمكة :
بالمزاج نفسه واللون نفسه. كل ما يخص الأطفال أبيض على الدوام. منذ بودرة (جونسون) و الحليب والثياب الصغيرة.. إلى اللُثغة التي تنمو كفِقرة من نوتة الصوت, والتي لن يقنعني رأي طبي أبداً بأنها تخرج من اللسان أو الأسنان! اللُثغة التي لا أدري كثيراً لِمَ أظنها بيضاء هكذا!؟ حين تعبث بالسين قليلاً, وتُكَركبها كالعبث بألعاب التركيب الملونة, حين يسرع طفل بالكلام وتنفرط (الثاءات والراءات) المتحولة حبات براءة بيضاء..
لا لون للأحرف إلا التي غُمِست في لُثغة.. أو التي غُمِست لُثغة فيها كما تُغْمس قطع الفاكهة في أسفل اللبن الزبادي للأطفال, ويبقى الطعم الأبيض أعلى.
حسناً, قلْ: سمكة!