تكشف الضجة التي رافقت تقاعد مخرج أفلام الرسوم المتحركة والأب الروحي للأنيمي في اليابان، ميازاكي هاياو، مطلع العام الجاري في الإعلام الياباني والأجنبي، مدى وعي العالم غير الناطق باللغة العربية بأهمية هذه الصناعة ودورها الحيوي والفاعل على المستوى الثقافي والإقتصادي والإجتماعي، وللأسف أن هذا النوع من الصناعة لايزال يطل على استحياء في عالمنا العربي.
وقد حقق فيلم ميازاكي هاياو الأخير «كازي تاتشي نو»، الذي صدر في شهر يوليو/ تموز العام الماضي، نجاحاً مبهرا على شباك التذاكر بعد حصده إيرادات تعدت الـ10 مليارات ين حتى اوائل سبتمبر/ أيلول الماضي. وتحكي قصة الفيلم «كازي تاتشي نو» جانباً من حياة جيرو هوريكوشي الذي كان يعمل مهندسا ومصمما للطائرات المقاتلة اليابانية، ويصور الفيلم حياة الناس وهم يعيشون كقلب واحد خلال فترة الحرب العالمية الثانية التي شهدت أوقاتاً عصيبة مثل الركود الاقتصادي وكارثة زلزال كانتو. وتزامن إصدار الفيلم مع انعقاد مؤتمر صحفي بتاريخ 6 سبتمبر/أيلول ليتم الإعلان عن تقاعد ميازاكي هاياو. ويقدر عدد من حضروا المؤتمر من الصحفيين نحو 600صحفي من اليابان وخارجها ما يؤشر على أهمية الحدث.
تعريف الأنمي:
يرجع كتاب»قلعة الأنمي»للكاتب السعودي طارق الخواجي جذور فن الأنمي إلى فن رسم القصص» المانجا»، ويذكر أن المانجا فن انتشر في اليابان على شكل قصص رسومات هزلية مطبوعة، انطلقت شهرتها في عام 1815م عن طريق مبدع هذا الفن هوكوساي. و»المانجا»، أو قصص الرسوم الهزلية المطبوعة هي أقرب الصور التي مهدت الطريق إلى فن أفلام الأنمي بعد ظهور التقنيات المرئية الحديثة، إذ تحولت قصص»المانجا» إلى أفلام شهيرة ساعدت في زيادة ونمو شهرة الأنمي.
وللقارئ أن يتساءل: ماذا عنا؟ لماذا ليس لدينا صناعة لأفلام الرسوم المتحركة والأنمي؟ ماذا ينقصنا وتراثنا الشعبي الشفهي والمقروء يزخر بالعديد من الحكايا الجميلة، والشخوص الثرية والمحببة للنفوس كما تكشف ذلك موسوعة الأساطير الشعبية في شبه الجزيرة العربية المكونة من خمسة أجزاء للكاتب الراحل عبدالعزيز الجهيمان، وكتاب»التبات والنبات»، للدكتورة لمياء باعشن، إضافة إلى أن واقعنا المعاصر لايعدم حكايا وشخوص غنية أيضا.
فلماذا لانفيد من كل ذلك ونشرع في صناعة أفلام رسوم متحركة تحاكي واقعنا وتحترم قيمنا، التي يتم اختراقها، ونحمي بذلك أطفالنا من العنف وبعض اللأخلاقيات التي تبثها العديد من أفلام الرسوم المتحركة الأجنبية والتي يتنافى كثير منها والتربية السليمة، إضافة إلى أن صناعة مثل هذه قد تكون أفضل وسيلة تثقيفية للصغار بحضارتهم وتاريخهم وواقعهم المعاصر وتعريفهم بالآلية السليمة للتخطيط لمستقبلهم كذلك.
أتذكر في طفولتي أننا اكتسبنا الكثير من المعلومات حول مجريات الثورة الفرنسية من أفلام الرسوم المتحركة، كما تعلمنا أيضا أنواع الرياضة والعادات لدى الشعب الياباني، وذلك قبل أن نتعلم بالمقابل القدر المماثل عن تاريخنا وعاداتنا، ما يكشف حجم الدور الذي تلعبه الرسوم المتحركة في تشكيل وعي وثقافة الطفل عبر شخصيات يحبها الأطفال ويتعاطفون معها ويتعلقون بها، ويقلدونها، ويؤكد ذلك أيضا أهمية العمل على تأسيس صناعة عصرية رابحة ورائجة تعنى بربط النشء بتراثهم وواقعم العربي المعاصر، وتحميهم في هذه السن المبكرة من العديد من الخروقات.
ويبقى السؤال: هل من الصعوبة بمكان على طاقاتنا الشابة والمبدعة في فن الرسم وفنون الحاسوب ، لو تم تشجيعها، وتدريبها ودعمها بشكل جيد وتهيئة البيئة لها أن تسهم في تأسيس صناعة أنمي محلية؟ وبعض شبابنا يمتلكون تجارب متميزة في رسم شخوص قصص الأطفال وهم بحاجة فقط لمركز مختص أو مظلة داعمة تسهم في إطلاق شرارة هذا الإبداع المحبب ليس فقط لدى شريحة الصغار وإنما لدى الكبار أيضا، خاصة وأن صناعة أفلام الأنمي أيضا ليست بالأمر الصعب الذي يمكن أن يتصوره البعض.
كيف يصنع فيلم الأنمي؟
تبدأ صناعة فيلم الأنمي كما تشرح برامج اليوتيوب بكتابة بنية القصة، ومن ثم رسم الشخصيات، وبعد إنهاء الرسومات الفنية الأساسية وإتمام هيكلية القصة، يبدأون بكتابة نص العرض، ثم يتم انتقاء التصاميم التي ستظهر، واعتمادا على نص العرض يتم رسم مجريات الأحداث في نموذج يدعى» الستوريبورد» يتم من خلاله إيضاح حركات الكاميرا، وبالإعتماد على»الستوريبورد» يتم كتابة نص الحوار.
بعدها يتم نقل رسم الشخصيات يدويا بجميع حركاتها ووضعياتها على الخلفية وعند الانتهاء ترسم مفاتيح الحركة، ومن أجل الحصول على توقيت صحيح لضبط وتسلسل مفاتيح الحركة يتم استعمال سجل زمني للتوقيت، وهذا يساعد في تحديد الزمن اللازم لأداء حركة معينة لأحد الشخصيات مع توضيح حركات الكاميرا وبقية تفاصيل خطة الإنتاج، بعد التحقق من مفاتيح الحركة وتوقيتها يأتي دور عملية تدعى»انبتوين»وهي تهد ف لجعل حركة الشخصية أكثر انسيابية، وبعدها يتم التحقق من كون الحركة تبدو عبر الرسومات المتعاقبة انسيابية، وجميع ذلك يتم وفقا للسجل الزمني المحدد مسبقا، بعدها تأتي خطوة التلوين حيث يتم إنشاء مخطط لتلوين كل شخصية، مع الالتفات لتغيير درجة الألوان في حال كان التوقيت نهارا أو ليلا.
بعدها تبدأ خطوة المسح الضوئي»السكانينغ» حيث تنقل رسوم الحركة إلى الحاسوب صفحة بصفحة ثم تلون رقميا، أما بالنسبة للخلفيات فيتم رسمها وتلوينها يدويا وبعد الإنتهاء منها ومن جميع تفاصيلها يتم مسحها بالحاسوب ومراجعتها وبسبب قصور عملية التحريك بعملية التودي يتم استخدام برمجيات ثلاثية الأبعاد للمعالجة وعن طريق عملية تدعى»الكومبزتينغ» يتم دمج كل شيء: الحركة والخلفيات والغرافيكس لكل لقطة، بعدها تقوم الحواسيب بدمج جميع لقطات الفيلم التي تقارب أحيانا 80 ألف لقطة، ويقوم فريق التحريك بالمراجعة النهائية، وبعدها يكون فيلم الأنمي جاهزاً للمشاهدة.