جلست أمامي دون أن أطلب ذلك، ورمقتي دون أن أطلب ذلك، وغرست عيناها في عينيّ دون أن أطلب ذلك، وبدأت تهمس لي برفق دون أن أطلب ذلك:
« أنا وردةٌ من بساتين أرض الله الواسعة، أبحثُ في الحدائق عن باقة مناسبة أنظمُ إليها، لنشكل منظمة متطرفة عن الأدب.. تتمتعُ بصدرٍ حنونٍ يضمني إليه، وصباحٌ جميل يغرقني بالندى، فأنا أفرّ من مخابرات الذبول «
وقبل أن أتفوه بكلمة قد تغرقني أو تشنقني، واصلت خطابها التأريخي قائلة:
« أنا قصيدة فرّت من ديوانٍ متهالك على الرفوف، يعاني من التوحد، والقبلية، وحمى الوادي المتصدع، تبحثُ - بكل ما أوتيت من عاطفة - عن عينٍ متذوقة لقنابها الظاهرة والباطنة، وتبحثُ عن أذنٍ مترنمة تفقه موسيقاها العلوية والسفلية، وتبحثُ عن روحٍ مستعدة لتفجير مباني أحزانها، ومستوطنات الهموم في قلبها، بحزامٍ ناسف للألم «.
وقبل أن أقول لها، إن كانت القضية رقماً جديداً في مفكرة عشاقها، أو بطائق شحن، فاعذريني يا سيدتهم، واصلت سيدتي خطابها المزركش قائلة:
« أنا اختراعٌ رومانسي مدججٌ بكل مزايا الثلج والبرد، وتتوفر فيه كل خدمات المتعة والذوق، فرّ من المتحف الأثري الذي سجن فيه، وجلد بذاكرة الغبار بين جنباته، وصلب على رفوف الجمود والتبلد سنين عددا،.. إنهُ اليوم يبحثُ عن مستخدمٍ يقدر كل ما فيه من خرافات وحقائق «.
والحقيقة أن عيني استغلت مؤتمر العيون هذا، فـ شرحتُ لها « طوق الحمامة « في عشرين ألف مجلد خلال ثانية، و»حشوت» ديوان مجنون ليلى بالحواشي الطول.. حتى أصبح الديوان مجنوناً كصاحبه، وأخبرتها أنني عشرين ألف امرأة أحببت، وعشرين ألف امرأة جربت، ولكن عندما جلست أمامي.. ايقنتُ أني الآن قد بدأت..
ولكن عينها بدأت تتمرجحُ ذات اليمين وذات الشمال، وغادرت مقعدها من مؤتمر العيون، مخلفة هياكل الصمت المؤلم خلفها، ومقعداً فارغاً كقلبي...