خلال أمسية رائعة قدمها الدكتور عبدالعزيز السبيل في أسبوعية الدكتور عبدالمحسن القحطاني في جدة، بعنوان «رؤية نقدية في نص قديم» وفيها تطرق لقراءة نص من عيون الشعر العربي للشاعر مالك بن الريب التميمي الذي التحق بجيش الدولة الإسلامية المتوجه إلى خُراسان للجهاد في سبيل الله فشهد فتح سمرقند وعندما مرض وأحس بالموت قال قصيدته المشهورة التي مطلعها:
ألا ليتَ شِعري هل أبيتنَّ ليلةً
بجنب الغضَى أُزجي الِقلاصَ النواجيا
ودفن في مدينة مرو في خراسان وقبره معروف هنالك عليه رحمة الله وبالعودة للقصيدة نجده يتطرق لذكر نجم سهيل كأحد المعالم السماوية المشهورة لدى قاطني الجزيرة العربية من أواسطها إلى جنوبها فهو النجم الدال على جهة الجنوب، ومن ذلك ما أطلق على الركن الجنوبي من الكعبة المشرفة بالركن اليماني.
وقد احتوت كتب الأدب وغيرها على الكثير من إشارات الشعراء لنجم سهيل.
ومالك بن الريب في قصيدته يطالب من حوله، وهو المستلقي على الأرض، أن يرفعوا رأسه قليلا عن الأرض لتتسنى له رؤية سهيل لتقر عينه بتذكر بلاده ولتهدأ خواطره حيث قال:
ولمّا تراءتْ عند مرو منيتي
وخلَّ بها جسمي، وحانتْ وفاتيا
أقول لأصحابي ارفعوني فإنّه
يَقَرُّ بعينيْ أنْ (سُهَيْلٌ) بَدا لِيا
ومن هذا الملمح أشار الدكتور السبيل إلى أن ذكر ابن الريب لنجم سهيل لم يكن سوى ذكر معنوي وليس ذكراً حسياً. وطلبه من أصحابه كان مجازيا. وهذا خلاف ما أراه واعتقده واعتدت ذكره بخصوص طلب ابن الريب من جلسائه أن يرفعوا رأسه وهو طريح لينظر نجم سهيل، وحين طرحت السؤال على الدكتور السبيل، أجاب، أنه اعتمد على قول الجغرافيين من أن نجم سهيل لا يمكن رؤيته في بلاد خرسان، ومن ناحية أخرى فنجم سهيل لا يظهر في كل الفصول فكأن طلب ابن الريب كان فعلا مجازيا.
والأمر من الناحية الفلكية العلمية، يعتمد على خطوط العرض. لذا فإن احتمال إمكانية رؤيته وتدني ارتفاعه أمر وارد. ولتوضيح ذلك لعلي أعرج قليلا على بعض من النواحي الفلكية. فمن المعروف أن النجوم المنتشرة في الفضاء تعتمد إمكانية رؤيتها على موقع المشاهد والفصل السنوي. فعلى سبيل المثال، بالنسبة للمواقع فإن ارتفاع نجم الشمال أي النجم القطبي المعروف، يكافئ على خط عرض مكان المشاهدة. وكلما اتجهنا شمالا ازداد ارتفاع النجم القطبي وكلما اتجهنا جنوبا تدنى موقع النجم القطبي إلى الأفق. وهكذا فالذين يقطنون في مواقع على خط الاستواء، سيجدون أن النجم القطبي ملامس للأفق. وبمجرد التحرك جنوبا عن خط الاستواء تصبح رؤيته مستحيلة.
ونفس الوضع ينطبق على نجم الجنوب (سهيل) فكلما اتجهنا جنوبا يزداد ارتفاعا والعكس بالعكس فعلى خط عرض 30 شمال الجزيرة العربية يكون أقصى ارتفاع لنجم سهيل حوالي سبع درجات ويقل كلما اتجهنا شمالا. وحيث إن خط عرض مدينة «مرو» حيث قبره الحالي حوالي سبع وثلاثين، فإن أقصى ارتفاع لنجم سهيل يصل حوالي ثلث درجة فوق الأفق. ولعل ابن الريب وهو في تلك الحالة كان في مكان مرتفع كما بدا لي من قوله:
فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا
برابية إني مقيم لياليا
وذلك مما سيزيد من ارتفاع نجم سهيل عن الأفق بعض الشيء. وهكذا ففي كلا الحالتين سيحتاج المستلقي هناك أن يرفع رأسه ليتمكن من رؤية سهيل، وهو في أقصى ارتفاع له وهو قريب من الأفق وذلك في فصل الشتاء. ولذا، يمكن أن نكون قد اقتربنا من تقدير الفصل الذي كانت فيه وفاة ابن الريب، وإذا اتضح أنه توفي في فصل آخر فإن هذا يرجعنا مرة أخرى إلى ما افترضه الدكتور السبيل وهو أن طلب ابن الريب لرؤية نجم سهيل عبارة عن طلب رؤية مجازية لا حقيقية. وقد يكون لهذا البحث استمرارية لها وقتها ورجالها.