«الجميع يفكر في تغيير العالم، لكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه». حكمة جميلة قالها الأديب الروسي الشهير «تولستوي» قبل عشرات السنين لكنه لم يكن يقصد الأدباء أو المثقفين.
غير أنني أجد أن هذه الفئة من البشر هم أحق الناس بهذا الكلام. فالكثير من المثقفين عندنا على الأقل يتمتعون بقدرة هائلة على نقد غيرهم وانتقاد مجتمعهم وحكامهم وحتى زوجاتهم وجيرانهم وكل شيء يستحق منهم يخرجون ألسنتهم بكلمة انتقاد.
ويجد هؤلاء الشجعان جدا في انتقاد الغير متعة لا تضاهيها متعة، ولذة من السهولة الحصول عليها. بل إنها في كثير من الأحيان نراها عندهم وقوداً لحياتهم الخاصة وحتى العامة. فأن تنتقد الآخرين بالحق أو الباطل فهذا يعني أنك أفضل منه وأعظم بلا شك وبيقين كامل أن الآخرين يستحقون النقد والتعنيف وربما الشتم والسخرية من أعمالهم لأنهم رسل جاءوا إلى الدنيا كي يظهروا زيف وغش وكل أكاذيب البشر.
غير أن جنون هؤلاء المثقفين وجنتهم الكبرى هي انتقاد غيرهم من المثقفين، فلكي تكون مثقفاً يجب عليك بل من واجبك الثقافي والإنساني معاً أن تنتقد وتعلق المشانق لغيرك.
لكن تصور أن مثقفاً في بداياته الأدبية ارتكب خطأ بسيطا أو حتى حماقة عادية يرتكبها الكثير من البشر كل يوم وكل ساعة، فماذا سيفعل هؤلاء؟
إنه سؤال لا أصدق أن أي قارئ ينتظر الإجابة مني، لكنى سأقول له كلمتين فقط وأمضي إلى حال سبيلي.
لعل أمراض المثقفين لا تعد ولا تحصى، غير أن أهم مرض على الإطلاق هو الغيرة، وهي غيرة تشبه إلى حد كبير غيرة النساء التي لا تنتهى، غيرة مجنونة ورغبة في أن يكونوا هم الأفضل والأعظم.
ثم هناك جنون العظمة. فلا أحد في الدنيا يفهم ويعرف وفي قمة العبقرية والذكاء الحاد إلا هم. ولا يوجد غيرهم يمتلك حق إبداء والتعبير عن الرأى وقول الحق.
إنهم مثقفون من طراز مثقفي المأساة، وهي المأساة التي تقتلنا ونحن أحياء كل يوم.