من أساسيات فهم اللغة وإدراك مراميها تفتح العقل ونضوجه وشدة التأني وسعة الإحاطة بمدلولاتها على المراد ذلك حتى يستقيم عمود اللغة استقامة بينة، وحتى يدرك القارئ لما يطرح أنه يفهم ويعي ما بين يديه مما يكتبه العلماء المختصون في هذا كله، وهناك دقائق لغوية قد لا يعيها الجلة من الناس، لكن هذه الدقائق اللغة البالغة الأهمية حين يتم طرحها من قبل كبار العلماء يأخذ هذا مساراً حسناً ولو طال المطال لتنشر اللغة الحقة.
تنتشر بين أهلها الذين لعل كثيراً منهم تهاونوا في نطقها وكتابتها، فجر هذا وذاك خللاً نحوياً ظاهراً وجرَّ: خللاً بلاغياً بيناً فطغت مفردات لست أدري كيف تم هذا؟ ولست أظن غيري يدري اللهم إلا اجتهادات من هنا وهناك، ذلك أن لدينا مشكلة حتى وإن تمت ندوات حولها ومؤتمرات حولها كذلك. وهذا كله يبين كثيراً حالتنا وما يحسن أن نكون عليه حيالها،. إن المشكلة ليست كما نتصور هينة بمجرد ندوة أو مؤتمر يكون هناك: حلها إن المشكلة تكمن جزماً بأننا نعالج: العرض قبل أن نعالج: المرض، إن حقيقة القول تكمن في العجلة كما تكمن في معالجة العرض ليس إلا،.
إن ندوة أو ندوات ومؤتمراً ومؤتمرات لن يحل هذا وضع اللغة وبالتالي: النحو لن يحل هذا كله شيئاً مالم نتلمس الحقيقة الغائبة التي الجزم الحازم لمعالجة ذات المرض يكمن في قوة النظر، إن اللغة حية حياة الأرض بل هي الأرض التي تسير عليها العلماء وأي أحد يسير على غير الأرض،. إن حماد بن سلمة ومسلم بن الحجاج والترمذي وشعبة بن الحجاج وإبن قعنب القعنبي وإن سيبويه والكسائي والمبرد وابن جني والثلة من كبار العلماء فيمن سلف ما كانوا ليسودوا بعد فضل الله تعالى لولا إدراك هذه: (اللغة.. وذلك.. النحو.. وحقيقة البلاغة) لولا إدراكها والمحافظة عليها وحمايتها والإضافات الموهوبة دون: ادعاء ودون تعالم ودون تلبس بها.إن العلماء المتقنين لآثار النبي- صلى الله عليه وسلم- والذين أتقنوا آثار الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم يعلمون جيداً كيف يتبينون صحة الآثار من ضعفها؟
فمن المعلوم قاطبة أن السند إذا صح صح المتنُ، وإذا ضعف السند بصفة ما من صفات العلة ضعف المتن، ولهذا لا ينظر هنا إلى نظرية تقديم العقل على النص إذا صح النص. جاء عن علي بن أبي طالب- رحمه الله تعالى- عنه قوله: (لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من أعلاه) وسنده عراقي مدني وهو: موقوف صحيح.
قلت: إن العلماء المتقنين لآثار النبي- صلى الله عليه وسلم- يعلمون جيداً) وذلك أن اللغة العربية ودقائق النحو وصدق البلاغة كل ذلك يبين صحة الأثر من ضعفه فهم يقولون:
(أ) ركاكة اللفظ
(ب) تداخل الألفاظ
(ج) نكارة المفردات
(هـ) تقعر الكلام
فهم يقولون إذا جاء النص هكذا على هذه الوتيرة فإن الأثر يكون ضعيفاً جداً أو هو: باطل موضوع حتى وإن صح السند لأنه قد يكون مركباً على متن باطل،.
إذًا فاللغة أصل في العلوم وسياسة الحياة التعبدية، ولقد كان يشكل علي كثيراً كيف لم ينجح ما يصنع حيال هذه: اللغة..؟
إن العبرة أن ننهض أن نقوم أن نتدارك الأمر عبر الإلزام بها كتابة ونطقاً، وأن نحاول جاهدين باذلين عن طريق الرسميات كوزارة الثقافة والإعلام والشؤون الإسلامية والأوقاف والجامعات والمؤسسات العلمية وأن نركز جيداً على (وزارة التعليم العالي) (والتربية والتعليم)، إن مثل هذا حري بإذن الله تعالى بحياتها بقيامها بفاعليتها يبث روح التشبع بها حتى لتكون الجزء المهم في سياق النطق بها حتى في طلبة المراحل الأولى، إن التوصية بهذا والإلزام به ومتابعته جسر قوي لقيامها. إن تشديد الأمر حول هذا لعله يقطع مسببات غير مقصودة لحلول بعض الألفاظ العامية واللهجات الدخيلة (إن الله جل وعلا يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).كذلك قال خليفة المسلمين عثمان، وقيل: عمر وهو قول صائب في مكانه لا يريم أبداً، وسوف أذكر شيئاً هنا نقلته مما تم عرضه علي ممن يكتبون خلال الزوايا بعضه ركيك اللفظ والآخر لا يحسن (نشره).
1 - فمن الركيك:
(وهذه بلوى ياشنيها والله وع عليها) (قبيح منه ذلك لو مسح وجهه بمرق) (هذا كلام سطحي يدل على نذالة صاحبه)
2 - ومما لا يحسن نشره:
هذا المريض نفسياً كيف ينقل مثل هذا الخبر يتلصص على المكالمة).
(بتاع كله مسكين في كل شيء يكتب هذا (بتاع كله) صحيح).
(وش هذا: سحر.. أو مس لا حسد وين حنا في عصر العلم).
فهل مثل هذا أو مثل ذاك يتم نشره قد يكون (ففاقد الشيء لا يعطيه) لكن الشعور بالمسئولية نحو: الأخلاق والأداء العلمي أين هذا..؟
وأين حقيقة اللغة وحسن اللفظ في كتابات يطالعها العاقل فيضحك ولعله يستغرق: ضاحكاً.
ويطالعها العجول فيتعجب!!!
ويطالعها خالي الوفاض فيتساءل إذاً هذه بعض الحال التي يقع أمرها تباعاً.
ومع أن كثيراً من كتاب الزوايا يصدرون عن صدق فيما أحسب.. والله حسيبهم.. ويكتبون عن إخلاص لكنهم يجنحون للعجلة كما يجنحون للإنشاء والثقة الرجراجة وغالبهم يكتب بألفاظ قوية وعبارات قاسية لكن المعنى ليس بذاك، فهو مترد أشبه ما يكون بالغثاء، وتلك كتابات وقتية، لعل الواحد منهم لو قرأ ما كتب بعد عشرة أعوام لقال ما هذا..؟
كلا ليس هذا: أنا.
لعلي أجهل.
لعلي كنت أنشد الاستحسان.
أبداً كنت متوقعاً بدافعٍ ما
ليتني لم أفعل
ليتني لم أكن أنا ذاك
ما هذا ما هذا؟!!،
وهذه واحدة من كثير تسلك بنا سبيل تراخي اللغة،
إن العجلة والكتابة الوقتية، إن الاندفاع العاطفي ليجعل هذا وذاك الكاتب نفسه حجر عثرة في طريق أمر اللغة وقوتها.. وتأثيرها.. وسلامتها..، إن مثل هذه الكتابات ما بين نقد.. ونقل وملاحظة وملاحظة ورأي ورأي على هذه الوتيرة لا جرم يؤثر هذا كله في مسار أصالة وقدرة اللغة على الاستمرار، ويجلب إلى الساحة الهشاشة النقدية ورداءة الملاحظة، لأن مثل هذا حقاً يجعل صاحب هذه الكتابة معه الحق خاصة إذا لم يرد عليه ولم يناقش لسبب ما من الأسباب التي قد يعيها أو لا يعيها.
إن الحصيف جد حصيف هو من يكتب من ذات منطلق حر عادل جيد نزيه متوازن بعرض ما يريد طرحه كله تباعاً ثم المناقشة بروح جيداً عالية الخلق القويم وسعة الصدر وبيان وجهة النظر بروح تأخذ بالعقول لما تتسم به من نزاهة وعدل تام تام حتى ولو كان ما يكتب من المواضيع ذات الحساسية المهمة التي يجب القطع فيها ولابد.
إن حقيقة القول ليس فيما أكتب أنا أوما تكتبه أنت بل هي كيف أكتب؟ كيف؟
وإلا فالكتابة اليوم كل يستطيعها هذا إذاً هو المحك.
هذا إذاً هو المراد
وهو كذلك دلالة العقل
ناهيك أنه ذم أو حمد لك أو عليك.