مقدمة:
أعتقد أن المجتمع السعودي، على وجه الخصوص، مثل مجتمعاً مختلفاً من حيث الانكفاء على الذات زمناً طويلاً، بالذات فيما قبل التسعينيات الميلادية، إذ لم يكن بمقدور أي فرد من أفراده الاطلاع على ثقافة الآخر، إلا في حال السفر والانتقال الذي ييسر للفرد أوالجماعة التعرف على المجتمعات الأخرى، وقد كان - للابتعاث - دوره في تشكيل ثقافة المبتعثين - آنذاك - إلا أنها ظلت قاصرة، لأن المبتعثين لا يمثلون نسباً تستحق الذكر، وهم بالتالي لن يتمكنوا من خلق تغيير حقيقي في المجتمع حتى لو كان أغلبهم يعمل في قطاع التدريس في الجامعات.
المهم أنه مع ظهور القنوات الفضائية في بداية التسعينيات الميلادية،مع مواكبتها لاندلاع أول حرب من نوعها - التي مثلت تهديداً مباشراً -للوطن، عندما قام النظام العراقي باحتلال دولة الكويت، هي الأخرى ساهمت في تشكيل ثقافة جديدة لدى أبناء المجتمع، حيث بدأت مصطلحات، مثل: النظام الدولي، والأمم المتحدة وغيرهما، تظهر على السطح لدى أبناء المجتمع الذي كان لا يجيد الحديث عن السياسة المحلية، ما بالك بالسياسة الخارجية، وبدأت قنوات عربية إخبارية تبث، وبشكل موسع، برامج سياسية حوارية يشاهدها أبناء المجتمع السعودي - وربما الخليجي - لأول مرة، مما شكل نقلة حقيقية في مواجهة المجتمع وأبنائه لواقع جديد، هو الأول من نوعه في ثقافة أفراده التي كانت لا تتعدى كونها ثقافة محلية، أو إقليمية، على المستويين السياسي والاقتصادي، والمعرفي عموماً، طبعاً نقصد هنا الثقافة الشعبية السائدة بين أفراده، وليست ثقافة النخب الذين كان منهم طليعيون، قادرون على النظر إلى الأمور من زواياها المختلفة، ومتفاعلون مع الأحداث المحلية والعربية والعالمية منذ عقود.
هذه مقدمة مهمة مثلت الانطلاق الحقيقي للفرد - في مجتمعنا -للاطلاع والمعرفة.
انطلاق القنوات الفضائية وتشكيل ثقافة جديدة
مثل العام 1990م، كما أشرنا انطلاقة حقيقية للقنوات الفضائية، التي كانت في بادئ الأمر لا تتجاوز أصابع اليد، وكان الحصول على -الستالايت - يكلف المواطن الكثير، لهذا لم يحصل عليه سوى شريحة محددة في بادئ الأمر من القادرين على شرائه، ثم شيئاً فشيئاً بدأ ينتشر، عندما تقلص سعره ليصبح في متناول الجميع.
هذه الخطوة شكلت لدى المجتمع ثقافة جديدة، انطلقت من التعرف على المجتمعات الأخرى التي لم نكن نشاهدها من قبل البتة - عدا في حالات السفر- وكشفت لأبناء المجتمع المحلي عن أن هناك مجتمعات أخرى تفكر بطريقة مختلفة، وتتعامل مع الحياة بشكل آخر عما يعيشه أبناء مجتمعنا، وأن عدداً منهم ليس باليسير هم من المسلمين، وهذا -ربما - يبرر سر المنع الذي كان يتمسك به المحافظون، في فترة من الفترات، -ربما - خوفاً على المجتمع أن يكتشف أن هناك ثقافة أخرى مغايرة، وأن ديانتها هي الديانة الإسلامية.
تأثيرات ظهور القنوات على الصحافة المقروءة
ومع انتشار القنوات الفضائية ظهر تحول واضح في الإعلام المرئي على مستوى الوطن العربي، والعالم قاطبة، حيث بدأ البث المباشر على الأقمار الصناعية الخاصة بالدول العربية، إلى جانب الأقمار الصناعية الأجنبية، ومثلت هذه المرحلة منعطفاً مهماً في تاريخ الإعلام بأنواعه الثلاثة (المقروء، والمسموع، والمرئي)، فبات من الضروري على الصحف المحلية أن تعيد حساباتها، حيث إن بروز الشأن العالمي والعربي أيضاً -على مستوى الأخبار- لم يعد يهم القارئ المحلي الذي أصبح يصل إليه الخبر مسموعاً ومرئياً عن طريق التلفزة ساعة حدوثه، إلى جانب التحليلات والتفاصيل الموسعة حول ذلك الخبر، ولم يعد بحاجة للانتظار إلى اليوم التالي للحصول على تفاصيل الخبر في الصحيفة التي يتابعها، مما حدا بالصحف المحلية التي توزع داخل المملكة إلى إعادة النظر في سياساتها نحو هذه الأخبار، والتركيز بشكل أكبر على الخبر المحلي الذي لا يصل إلى المتلقي سوى عن طريق الصحف «وقتها» وبالذات (الأخبار الإقليمية)، وهي أخبار المناطق والمحافظات، فيما تظل الأخبار الرسمية المرتبطة بالدولة تنشر من خلال وسائل الإعلام كافة.