(وحنين.. حنين.. حنين أنا ذايبة فيك حنين والغربة توّهتني.. لكن ما غرّبتني عنّك طول السنين شايلاك في نن عيني يا عيني واللي بينك وبيني أشواق كل الأحبة، وحنين المحرومين) ولم تخبرها ناعسةٌ عمّن غرّب أنفاسنا عن أجوائنا وتوَّه مساراتنا عن خُطانا، طيلة العمر الذي أضعناه، حين تحطمت بوجوه قاطعي طرقاتنا مراياه.. ولا يريد أن ينقطع؛ وكأنه نكدُ الدنيا التي لا رمح يروّى بها إلا والقلوب يضرّجها الضجرُ.
بئسَ الروحُ متمسكةً بجسد يتعذّب بها، ظالمة كأنها أوطانُ آخر الزمان، تقسو بالضغط على كتفيْ من يصمد لأجلها، وتتبدد نثاراً بين يديْ من يذروها رماداً من بعد حريق لا ضوء فيه يرتسمُ على جبين..
(وحنين.. حنين.. حنين أنا ذايبة فيك حنين) والثلجُ الباهتُ لا يصبح دماً حتى وإن ذاب احمراراً بين الشرايين.
تلك معجزة النبض، لا يقبل بمن يختبر الصقيع من أجل إغفاءة جمرة عابرة، ولا بمن يغفو من أجل صحوة يتقاسمها العابرون بخطوات لم تبرح مانحها ولم تمنحه براحاً، على أمل بتعبير رؤيا لم تزره إلا في صحو يغلّفه الغمامُ وتسقطه الأيامُ من حساباتها مع دوائر الأفلاك..
(شايلاك في نن عيني يا عيني واللي بينك وبيني أشواق كل الأحبة، وحنين المحرومين) ليس محروماً من يمتلك الحنين، فهو يتكئ على رصيد من الذكريات يستحضر منها ما يحتويه غَمراً متى شاء، حتى وإن مشى يفتش عن شجر يابس كي يكون دليلاً إلى أن أهلاً أتوا في غياب المطر.. حتى وإن مشى عارياً في الخلاء يفتش عن خاتم للسفر.
هو الحنينُ السفرُ عمراً، والحرمانُ يهطلُ مطراً حين تتضخم أرصدتنا من حنين لا ينفد أبداً..
(لفّيت الدنيا بعدك ما لقيت فيها قلب) ولا أنا التقيتُ.. فدعيها تصمت يا ناعسة، ثم خبّريها أن رصيدي من الحنين إليها وحدها قد تضخّم حتى أصبح جبالاً تفصل بيني وبين أشواق كل أحبتي، وحنين كل المحرومين.
* المقطوعات الغنائية العامية (ما بين الأقواس) مقتطفات من: رائعة (حنين) للمطربة الراحلة وردة الجزائرية، ألحان بليغ حمدي وكلمات عبد الوهاب محمد.