من عصر النقش والرسم على الحجارة إلى عصر المائة وأربعين حرفا، ومازال هنالك فنانو رسم يجدون إجاباتهم ومتعتهم وإيصال أفكارهم عبر تلك الجدران، أجمعت جميع الدراسات النفسية والاجتماعية في عصرنا على أن الكتابة والرسم على الجدران ظاهرة غير حضارية تشوّه منظر أي مدينة، على الرغم من أن الكتابة والنقش على الجدران ليس ظاهرة جديدة على المجتمعات فقد كانت موجودة منذ العصور القديمة، فكان قدماء الفراعنة يكتبون وينقشون على جدران المعابد والأهرامات والمقابر لتوثيق علومهم وثقافتهم وطريقة حياتهم، على الرغم من توافر ورق البردي في ذلك الوقت، لكن كان الكاتب على الجدران آنذاك يحظى بمكانة مرموقة في المجتمع ويحظى باحترام الجميع وقد يتبؤ مناصب كبيرة في الدولة، واجمل ما قد اقتبسه من الجميل «ادواردو غليانو» عندما قال «الجدران: دور نشر الفقراء» ياللروعة.
وعند سؤالنا للتشكيلية السعودية امنة الغدير عن هذا النوع من الفن وهل سبق أن قامت بإدراجه في أعمالها أجابت :» موجودة منذ قديم الزمان ، أيام الحضارة الفرعونية والإغريقية والرومانية، تطور الرسم والنقش عبر الزمن واليوم يسمى» بالجرافيتي» وهو يعرف بالتغيرات العامة لملامح سطح عن طريق استخدام بخاخ دهان أو اقلام البوية المعروف Paint Marker أو أي مواد أخرى كالدهن. ونشأ فن الجرافيتي الحديث في الستينات من القرن الماضي في نيويورك بالهام من موسيقى الهيب هرب يوجد نوعان وهما: المرسوم ( رسم تعبيرية أو بورتريه أو طبيعة وغيرهم ) والمكتوب (توقيع أو اسم بحروف اللغة الأجنبية).
فن الجرافيتي عادة هو تعبير حر ويسعى كسعي الإعلان، لذا لابد من مكان ملحوظ، فالجدران العامة الملحوظة والأبواب والقطارات والباصات والشوارع وغيرها. ويوجد أيضاً مرسوم ولكنه مستحدث وبحروف إنجليزية.
لم يسبق لي ممارسته هذا الفن في مكان عام ولكن درست الطفل في مركز التنمية الاجتماعية أضع قطعة قماش أو فلينة نبدأ بالرسم.. ونجعله يعبر ما في داخله وخياله هو أرى له فن تعبير بمساحة كبيرة
أخذ ألوان الاكريليك في صحن ونغمس يدي الطفل كنه توقع أو بالأقلام يرسم أو يكتب اسمه أو حرف ما يحب وما يحلو له، فهو فن ممتع جدا، جميل أن نستخدمه ونستغله في تجمل وتزين الأماكن العام في بلدنا من إبداعات فنانين تشكيليين لا يجب أن نهمله ولا الفنون الأخرى.. فللأسف مجتمعنا ينظر له نظرة دونية لعدم وجود ثقافة الفني أيضا كان للرسام المشهور على جدران المدارس السعودية» أسامة نصر» تأييد على استخدام هذا الفن لكن بشروط، يقول» الكتابة على الجدران من الظواهر التي انتشرت بين بعض الشباب، وأصبحت تمثل منحدرا سلوكيا تضاربت الآراء حول تقييمه بين الصحة والخطأ بين الإبداع والتخريب في بعض المواقف.
وترتبط الرسومات والكتابات على الجدران بالحالة النفسية لمن يوصفون تارة بالمبدعين، ومرات أخرى بالمجانين والمخربين ، كثير من الأسباب الاجتماعية أو الشخصية تعتبر عاملا مهما خلف انتشار الكتابات والرسومات على الجدران ، السبب الرئيسي لاختلاف النظرة لهذا الفن هو الهدف من هذه الرسومات بالدرجة الأولى حيث إنها تعبّر عن أسباب نفسية انفعالية، وبهدف لفت نظر الآخرين، وربما تشويه سمعة الغير أو تخليد ذكرى للمكان ، أو تعصب لنادٍ معين الأمر الذي يؤدي إلى الإضرار بالممتلكات العامة والخاصة. والتشويه في بعض الأحيان من المبتدئين بهذا الفن. على عكس العصر القديم كالفراعنة، حيث كان الفراعنة يقومون بتسجيل الأحداث اليومية والحاسمة لديهم والنصوص الدينية على الألواح الحجرية وجدران المعابد والمقابر على شكل كتابات تصويرية ساعدت كبار الباحثين وعلماء الآثار المعاصرين لمعرفة تاريخ حقبة الفراعنة، أي أن تلك الظاهرة لديهم كانت لها مسبباتها الإيجابية وهى تعتبر توثيق لحقبة معينة
ويقول عن كيف تقبل المجتمع لما يعتبره مجرد شخبطات على الجدران:
«فالبداية كان الأمر غير محبب لكثير من الناس ولكن في وقتنا الحالي اصبح هذا الفن من أولويات من يفكر في تزيين وتجميل الجدران خاصة بعد تطور المهارات ليصبح هذا الفن يحمل طابع ثلاثي الأبعاد وغالبا ما يتوقف المارة لمشاهدة ما يتم إنجازه ليحتفظ لنفسه بالتعليق. أو لصورة تذكارية ولم يقتصر هذا الفن على الجدران فحسب بل الإبداع بالرسم الثلاثي الأبعاد على الأرض والأسقف والإعلانات التجارية والمنازل أيضاً
ما الذي جعل إنسان العصر الحديث لا تكفيه وسائل التواصل، ولا الأوراق، ما الذي جعله يصرخ بأقلامه وألوانه على جدران الشوارع، انه بلا شك حب إيصال الأفكار والمشاعر وهي فطرة بشرية، فقط نحتاج لمن يسمع اكثر ممن يتحدث.