أَدَرَكَ/ على وزن أفعل قولاً واحداً ، وأدرك لفظٌ مشتركٌ من حيث المعنى؛ فمن حيث الحس بما يدل عليه من قرينة، وكذا المعنى بما يدل عليه من دلالة ترمي إليه
ويعتري هذه الكلمة تصاريفُ ثلاثةٌ:
فَيُقالُ: أَدْرَكَ: الحِق، بكسر الحاء.
ويُقَاْلُ: أدركَ: فطنَ للمسألة.
ويُقالُ: أدركَ: بلغ الحلم.
ويُقالُ: أدرك/ وأدركت/ وأدركا/ وأدركوا/ وأدركن/.
وقد ورد نظيرُ هذا بالكتاب والسُّنةِ وشعر العرب وأمثالهم.
ودراك اسم فعل.. يُرادُ بِهِ: أدرك.
ولهذا كانت اللغة تحتاج أكثر ما تحتاجُ إليه إلى طول التأمل وعمق العقل وسعة النظر، وأصل هذا في غالب فهمي هو: الاستعداد النفسي لعلم اللغة.
وحين تردى هذا الاستعداد أو حين يتردى تضاءلت اللغة وسار غالبُ المثقفين والكتاب إلى اللغة المخلوطة بين.. بين وأجدُ هذا كثيراً فيما يجمعني مجلسٌ علميٌ ليس برسمي أو لقاءٌ عابرٌ عبر سفرٍ أو جلسةٍ علميةٍ تخرجُ عن نطاق الكلفة.
وتُحمِّل اللوم غالباً أن هناك نفراً يقعون في هذا دون تنبهٍ عقليٍ إلى أنهم محط اللوم.
فأدرك/ ويُدرك/ وتصاريفها، وَخُذْ أمثلة على الخلل:
أ. أدركونه.. يقصد/ أدركه/ لهجة يمنية.. وجيزانية.
ب. أدركانه يا ولد/ مثل: «أ».
ج. أدركينيه: أقبلي به علي
د. ما تدرك ما تقول، يريد: تفهم
هـ. ما أدركتناه/ وجدتها في هجة: يام، وعند بعض: الدواسر.
يريد/ القائل/ لم أدركه، بعد، وهي لهجة محببة إذا نطقها أهلها على السجية، كقول بعضهم: (ما عينتناه) أي هل رأيته..؟
و. أدركتُ أُناساً، يريد قرأتُ عنهم لا أنه لقيهم.
وهناك مفرداتٌ أجدها.. الحق أقول.. في كثيرٍ مما يُطرحُ ويدون أجد في نفسي منها نفوراً وأي نفور، ولو أن جعل بعضُ القراء الكرام من أنفسهم حسيباً لظهر لهم.. وأيمُ الحق.. من تلك المفردات المعوجة ما يندى له الجبين.
وخُذْ مثالاً من «مجلة لغوية مُحكمة».
) «وأصل هذا ما ذهب إليه سيبويه في الظرف أنه لا يعمل به ما تقوم عليه» ماذا تلاحظ؟
لقد جعل (به) بدل: (فيه)،
وأيضاً: «وعامةُ النحويين يؤيدون هذا الرأي وليس هذا بغرابة).
ماذا تلاحظ؟
لقد جعل: (بغرابة) بدل: (بغريب)، وهنا زلل علميٌ خطير أحسبه كذلك، وهو قول الباحث: (وعامة النحويين) فهل حقق هذه المسألة..؟
ومنهم النحويون هؤلاء؟
ثم أين التعليل والشواهد على صحة ما دونه..؟
وهذه مجلة علميةٌ مُحكمةٌ يكتبُ فيها مشائخٌ لهم باعٌ كبيرٌ في التحقيق والاستنتاج،
خُذْ مثالاً:
«والصحيح ما ذهب إليه أبو حنيفة بهذا القول الذي لم يُخالفه فيه أحدٌ، وهو رأيٌّ أحمد والثوري لحديث (إنما العمل بالنية) وحديث (نية المؤمن خير من عمله)
ماذا تُلاحظ..؟
لقد جعل (بهذا) بدل: (في هذا القول)
وهنا.. كذلك.. زللٌ جد كبير وإنه لكبير فحديث.. (نية المؤمن خير من عملِهِ) ضعيف.
كما أنه لم يُفصل المسألة علمياً لكنه عرضها عرضاً، وهذا أمرٌ ليس بجيد فحقُ هذه المسألة تأصيلها جيداً ثم تعقيدها بعيداً عن مجرد النقل، كما أنه لما عالج كلمة خطيرة لم يبين حكمها والكلمة هي: «إن الجوار بين جار وجار فوق مستوى الأديان». وهذه كلمةٌ جدَّ سيئة فأعجب كيف لم يبين حكمها..؟
وهذان مثالان، وفي الجواب مما حواه الجراب الأفاعي والعقارب وإن كان بعضها ليس ساماً لكنه يخيف أن يكون الجراب قد يكون فيه غداً.. قد يكون فيه ما يهتك جدار الجراب.
«إجابة»
نقد العقل
أ/ سعيد بن يعمر بن هادي المعماري.
«الإمارات العربية».
أحمد بن ثابت بن خديد المري/ الدمام/.
سؤالكما جيد ويتحد مع: (مسألة نقد العقل الثقافي) أبادر اختصاراً فأقول لا يوجد نقد بالمعنى المعروف للنقد فقط دراسات للأعمال العلمية والثقافية.
وهنا لدينا خلط بيِّن وواضح بيْنَ النقد الحر المبين للعمل وبين العرض والملاحظات من هنا وهناك.
فحين كتب الإمام محمد بن إسماعيل النجاري كتابه «الصحيح» جعل هناك باباً دعاه «كتاب العلم» أسس فيه قواعد/النقد/ والملاحظة/ والبيان/ والنتيجة/ ثم الفرق بين كل منها، وذلك فيما شرح ابن حجر والكرماني وابن رجب الصحيح.
وهذا ما فعله مسلم في (المقدمة) ثم ما دونه الأئمة:
الدارقطني في: (العلل).
وابن رجب في: (العلل).
وابن قتيبة في: (أدب الكاتب).
والترمذي في: (العلل الكبرى).
والسنحاوي في: (الإعلان بالتوبيخ).
وأخيراً الرافعي في (وحي القلم) و(المعركة تحت راية القرآن).
ولهذا أحب اللوم على: المراكز والنوادي العلمية.. والأدبية.. والثقافية، وكذا الهيئات التي يحسن بها وهي (هيئات علمية) محسوبة لبيان حقيقة النقد للتجديد والإضافة.. أحب اللوم على هذه كلها إذ لم يتبين منها إلا العرض والنقاش والردود والملاحظة مع أنه يمكن اكتساب ملكة النقد عن طريق نخب مهمة تدرك معناه، وتبتعد عن مجرد الدراسة والملاحظة، أكرر تقديري لكما.