اعتاد الناس في المنطقة العربية – بشكل عام – على وصف المؤسسات العامة في بلدانها بالبطء والسلبية في التعامل مع معطيات العصر، ومتغيرات الأحوال والأزمنة. وهو أمر طبيعي؛ منشؤه حرص أغلب أولئك المنتقدين على جعل أوضاعهم المعيشية والقانونية في أحسن حال ممكنة، مقارنة بغيرها في بلدان متقدمة، أو حتى البلدان المجاورة التي تختلف عنها إيجابياً في بعض النقاط المتعلقة بحياة الشعوب، وعلاقات تلك المؤسسات بطموحات الأفراد، الذين كان تأسيسها أصلاً من أجلهم.
تقوم الدنيا ولا تقعد عندما تخالف المؤسسات العامة طموحات الناس وتوقعاتهم، حتى وإن كانت تلك الطموحات والتوقعات تفوق قدرات أي منها وإمكاناتها. فحينما تنشأ مشكلة صحية، ولا تقوم وزارة الصحة بالإجراءات اللازمة والمناسبة وبسرعة، فإن كماً من الغضب واللوم يتجه إليها، دون النظر في حجم المشكلة، والعوامل الأخرى المحيطة بها، وعندما تتنامى مشكلات المرور وحوادثه يتجه اللوم أيضاً إلى إداراته المختلفة. وكذلك الأمر في التجارة وإدارة حماية المستهلك، عندما يشعر المواطنون بوطأة ظلم التجار لهم، أو عدم الاعتناء بجودة المنتج الذي يصل إليهم.
لكن قليلاً من الناس يتجهون بالشكر، والإشادة بأي من المؤسسات العامة عندما تقوم بعمل يفوق عمل غيرها من المؤسسات الأخرى (حتى لا نقول: عندما تقوم بواجبها، لئلا يقول بعضهم: هو عمل ليس مدعاة لأن تشكر عليه؛ بل تحاسب لو لم تقم به).
وفي هذا الصدد سأنوه ببعض المؤسسات العامة التي لاحظت رقياً في تعاملها مع المستفيدين من خدماتها، أو حتى التنويع في مصادر تلك الخدمات. وأولها فيما أرى وزارة الداخلية، التي ما فتئت تحدّث في طرق التعامل مع منتجاتها التي يحتاج إليها كثير من المواطنين والمقيمين. فكانت هي أولى المؤسسات العامة، التي سعت إلى توفير الخدمات الالكترونية للمستفيدين من موقعها على الانترنت، كما سهلت كثيراً من الإجراءات المطلوبة للحصول على أكثر المعاملات تعقيداً فيما مضى؛ وبشكل خاص تلك المتعلقة بالأحوال والجوازات، التي كان يحسب لها الناس حساباً عند الحاجة إلى استكمالها. وأخيراً أدرجت وزارة الداخلية خدمة «ابشر»، التي كانت نقلة غير متوقعة في فكر البيروقراطية المعتاد في البيئة العربية؛ فمن خلالها أصبح بإمكان المستخدم أن ينجز جميع معاملاته تقريباً في الداخلية عن طريق الخدمة الإلكترونية، وليس سداد الرسوم المالية فحسب، كما هي الحال في عدد من الدوائر الحكومية. وما عدا استلام الوثائق، مثل الجواز وبطاقة الأحوال واستمارة السيارة؛ فإن جميع الأمور تتم عبر موقع الوزارة الإلكتروني. هذا مع كون خدمات هذه الوزارة تندرج ضمن الوثائق الحساسة من هويات وطنية إلى إثباتات سفر رسمية أو أوراق مركبات ذات أهمية في القضايا الأمنية.
أما المثال الثاني، فهو الهيئة العامة للسياحة والآثار، التي كانت تعاني من إحباطات كبيرة في فترات سابقة؛ لم تكن فيها شيئاً ذا بال. وعندما تولاها مسؤول شاب ونشيط وذو علاقات متينة بكبار المسؤولين، تغيرت هياكلها ونشاطاتها. وأصبحت على مستوى طموح العاملين فيها، كما صارت تحاول قدر الإمكان أن تطور من مجالات عملها، الذي كان حديث عهد في هذه البلاد. وأخيراً كوّنت عندي صورة غير متوقعة من مؤسساتنا العامة، عندما بادرت إلى مخاطبة وسائل الإعلام وكتّاب الرأي، لكي تطلب من الجميع الاتصال عليها إن أرادوا أي خدمة تتعلق بأي من النشاطات المرتبطة باهتماماتها عملاً بقرار مجلس الوزراء الذي يقضي بضرورة التعاون الإعلامي مع من يطلب المعلومة أو يريد النشر من تلك الجهات. وهو ما لم نعتده من الجهات الرسمية. فشكراً لمن يقوم بالواجب كما ينبغي ويبادر!