محمدالعجلان: من خطاط للجملة والعبارات إلى بحار يغوص في لجج الحرف وفلسفته الجمالية
تابع وحلل واستخلص ثم جعل لإبداعه خصوصية وهوية لا تخطئها إلاعين عرفت الفنان محمد العجلان على مدى سنوات طويلة كنت أرى في مشروعه مبدعا في الخط العربي ورائدا فيه على مستوى المملكة والخليج، فنان يجمع كل صفات المبدع، في مجال الخط أو في تعامله،كنت ألومه على عدم عدم إعطاء نفسه حقها، فهو لا يرى في ما يقدمه ما يشبع غروره الإبداعي ولم يكن دائما راضيا عن جديده فكيف بالقديم، رغم أن الجميع من القريبين و البعيدين ممن يشاهدون إبداعاته يتفقون على تميزه وقدراته وتمكنه من أداوته، وتفرده في كثير من الجوانب على من يمارس هذا المجال من مجالات الفنون البصرية.
مر الفنان محمد العجلان بالعديد من محطات فنون الخط وقواعده وأصبح أحد المحكمين في المسابقات التي تقام للخط عودا إلى نظرته الفاحصة للخطوط الصحيحة من غيرها، ما مكنه من اكتشاف ذاته الإبداعية وبحثه عن كيفية تسهيل سبل ولادتها أو خروجها من قمقمها لتصبح فعلا يرى ويلامس أعين وعقول المشاهدين والنقاد.
بدأت انطلاقة الفنان محمد العجلان في أسلوبه الذي أصبح اليوم عنوانا له مرتكزا على أسس هامة منها الاحتفاظ بالهوية مع التعامل بالحداثة.. أعطى لعمله الفني قيمة عالمية بتناوله الحرف بأسلوب يجمع بين جمالياته وبين ديناميكية التعامل معه ككائن يحمل روح وصفة تشكل عنوانا لتراث عظيم، تعامل مع حروفه بمزجها بأطياف وعناصر وايحاءات تشكل أحيانا شخوصا وهمية وأحيانا منازل وقرى ونخيل، بروح وتفاعل تلقائي أحيانا.. كما نراها في أحايين كثيرة تبرز ببناء مدروس متمسكا بثوابت وأصول الخط مع حرية الحركة وتشكله المعاصر يهيئ له بقاء خصوصيته ويمنحه حيوية فنون العصر.
يحتفظ الفنان العجلان بالحرف كقيمة بصرية ويحيله إلى شكل من أشكال التعبير ، أذاب الحروف والكلمات بذكاء إلى لغة بصرية ، تتألق اللوحة مزدانة بعشوائية حسبت بدقة في خياله كشكل من أشكال الفوضى المنظمة تمتد وتتوزع في كل اتجاه حتى يخال أن بإمكانك أن ترى جمال اللوحة من كل اتجاه وعلى أي وضع : طولا وعرضا، تحولت حروف الفنان محمد العجلان إلى إيقاع أرابيسكي تمازجت فيه الحروف بالعناصر. ومهما حاول الفنان لعجلان الهروب من قضية التشخيص وإبراز لملامح في الوجوه أو الحركة في الأجساد إلا أن ما يرى في لوحاته من نسيج وتلاحم وإيقاع متناغم بين العناصر الحروفية والصور السابحة بينها ، صحراء وإيقاع زخرفي ، طرق وأجواء تمنح المشاهد مساحة من تشكيل عالمه البصري وإضافة وإضفاء الكثير من التخيل وفقا لمعطيات عالم العجلان، عوالم وعلامات وعالم من الحركة والرموز التي لا تهدأ تدفع بعين المشاهد للتجول في اللوحة انطلاقا من مركزها مرورا بما يحيط به ووصولا إلى كل أطرافها، لتعود العين من جديد إلى البحث من جديد دون ملل .
في أعمال الفنان العجلان ما يدفعنا للتأمل والغوص في أعماق المجهول إلى المعلوم بعد أن كان خطاطا يتعامل مع الجملة والعبارات ليصبح بحارا يغوص في لجج الحروف وفلسفتها الجمالية فمن حالة الإمساك بقواعد الخط الصارمة إلى حوار الألوان والخطوط والقيم الأخرى في اللوحة التي يستقيها من مختزله البصري للأرض والجبل والفضاء المفتوح وبأنماط غير مطروقة يشكل بها فكرا متجددا.
استطاع الفنان العجلان أن يكسر الحاجز والمفهوم العام للتعامل مع الحرف العربي لإنتاج عبارة أو جملة أن له قدسية خاصة عند المسلمين منذ آلاف السنين، نظرة لا يمكن تجاوزها توقعا من البعض أنها تسيء أو تخل بقيمة الحرف العربي لكن الفنان محمد العجلان يرى في توظيف الحروف بما يتوازى مع حداثة الفنون في هذه الفترة من تاريخ الفنون ما يعتبر موقفا هاما في صناعة جسر من الثقافة التشكيلية بين العالم العربي والغربي مع الاحتفاظ بروحه التي تمثل حضارة وتقاليد شرقية .
اهتم الفنان العجلان بانسيابية الحروف العربي فقدم تجارب عميقة استطاع من خلالها صنع شكل جمالي خاص في لوحاته بالعديد من الصورة التجريدية والتعبيرية الرمزية، تعددت سبل تنفيذ لوحاته جامعا فيها بين الحروف شكلا والكلمات إيحاء وطرزها بالأبيات الشعرية التي صاغها خصيصا للوحاته سعى بمحتواها إلى المزاوجة بين الفن التشكيلي والخط وبين الفكرة من منطلق أدبي وفكري والولوج بها داخل اللوحة بإحساس تشكيلي منح المشاهدين للمعرض حسب ثقافتهم وذائقتهم حرية التلقي فمنهم من يقرأ العمل كلغة باحثا عن مدلولاتها وبين من يتعامل معها كجمل بصرية تشكيلية.
استلهم الفنان العجلان روح إبداعه في لوحاته من روحانية ما عرف عن الحرف من علاقة بالآية والحديث بما فيهم من جماليات مع إخلاص لهذا الابداع واجتهد في البحث والتجريب لتحقيق أسلوبه، فأصبح أحد فرسان هذا النوع من الفنون، بقناعته التامة أن بإمكان الحروف القيام بدور بديل ومشارك مواز لكل العناصر فى الفن، كون الحروف وسيلة هامة لحمل الكيان الحضارى والثقافي .
لقد قدم العجلان العديد من الحلول التشكيلية الجديدة في طرحه بأصاله وديناميكية وأصبح أحد النماذج التي يمكن وصفها بالمتفردة فى الحركة التشكيلية السعودية خصوصا في معالجة الحرف وتطوير توظيفه في اللوحة، مضيفا مرحلة جديدة في سياق الحروفية تعيد للمتابع دفء التجربة العربية التي بدأت فى أوائل الستينات وبرز فيها رواد ومؤسسين لمدرسة عربية أعادت بناء الحرف تشكيليات بعيدا عن الجملة والعبارة بعناصر تشكيلية تتناغم وتلاحم وتتجاور دون تنافر أو نشاز تناغم موسيقى برؤية وأبعاد جمالية خاضعة وقابلة لتطويع قوانين التوازن والتوزيع فى الألوان والخطوط ، يحتويها إحساس بالحيوية فيجزئ اللوحة بين الحركة والسكون وباحثا فيها عن ما أبقاه الزمان عبر تلميحات المكان.
نختم بالقول أن الفنان محمد العجلان يعيد حضور الأشكال المتماهية في ذاكرتنا البصرية لتظل حاضرة وبقوة تعين المشاهد على إدراك المعنى واستيعاب الفكرة.