سياقها الثقافي
الصحوة ظرف ثقافي بين ظرفين، ماقبل / مابعد، وقبلها كان اليسار القومي، وأنا أحمل ذاكرة جيل عاش فترة التيار العروبي، وكان الواحد منا يدخل في التيار تلقائيا ولم يك أحد يدعو أحدا إليه، بل كنت تصاب به كما تصاب بالزكام مع بداية الشتاء، هي طريق كأن لا سبيل لك غيرها، ومن خصائصها أنك تصدق خطاب المرحلة دون برهان
(لا يسألون أخاهم حين يندبهم / في النائبات على ما قال برهانا)،
وأن تكون عروبيا فهي مسألة لا تساؤل حولها، وكل شعار عروبي هو حق مطلق، ويتبع هذا مايقال عن الخصوم الرجعيين، ولن تكون منهم بحال، وهم رجعيون لأن الزعيم قالها، ومن شرط المعنى أن تصدق رمزك البطل لأنه الحق وغيره مبطل، وسيتعزز موقعك المعنوي كلما التزمت بقوله وحجتك هي أن الزعيم قال وهذه أقصى نقطة في جدلك مع المخالف، ومن ثم فإن الكتب القومية وإذاعات القاهرة ومقالات الأهرام والانقلابات العسكرية هي علامات النصروتحقق الوعد، وسيكون هذا عندنا متوافقا مع الإسلام، فميشيل عفلق قال: كان محمد كل العرب، فليكن العرب كلهم محمدا، وهذه كافية لحسم أي سؤال عن العروبة والإسلام حتى صارت الاشتراكية هي أبو ذر الغفاري وينتهي كل شيء لمصلحة المعنى المبرمج علاماتيا، وهذا نسق ثقافي لحركة التيارات وقناعات الحشود . ومن شأن النسق أن يبدل جلده حسب ظروف التحولات ولكن خصائصه تظل فعالة مهما تغير عنوان المرحلة، ولقد ورثت الصحوة كل هذه الخصائص النسقية.