في برنامج «لقاء الجمعة» الذي يقدمه الأستاذ عبدالله المديفر ظهر الشيخ عادل الكلباني، وبصراحته المعهودة وتلقائيته المعتادة التي يفتقدها كثيرون ممن يتصدون للشأن العام، وهذه المقالة ليست بصدد تقييم مواقف الكلباني ولا استعراضا لآرائه التي يُوافق فيها ويخالف بقدر ما هي إشارة إلى مدى ما يتمتع به من درجة عالية من (الوضوح) الذي بات في راهننا قيمة تعاملية يندر وجودها!
مصداقية الكلباني ووضوحه سمة بارزة يفتقر إليها كثيرون ممن مسهم طائف من الازدواجية الرخيصة التي يبدو أنها خلِقت من كثرة التلبس بها والصدور عما تمليه من إيحاءات تتنافى بالضرورة مع أدبيات المنظومة الأخلاقية التي ننتمي إليها, ولاشك أن البعد النفعي المتشكل وفقا لإيقاعات البراجماتية ما إن يسفر هذا البعد عن وجهه ويهيمن على مفاصل السلوك حتى يحدو صاحبه للتنازل عن مصداقيته بل وبيعها ولو بثمن بخس وسعر زهيد حتى يتبوأ مقعده من أدنى دركات الحضيض الأخلاقي!
هناك ومن كافة التيارات من قد تخالفه الرؤية في بعض المواقف، بل وهناك من قد تخالفه في الأصول الفكرية التي ينطلق منها لكنك مع ذلك وفي الوقت ذاته تكبر فيه وضوحه ومصداقيته وتناسقه وانسجامه مع ذاته وعدم تذبذبه وتناقضه وكونه لم يتخذ من الممارسة الاحتيالية والالتياث بسياقات التوظيف النفعي والمتجاوزة لشوط التجرد لم يتخذ منها منهجا ينتظم كافة مواقفه كما هي الحال لدى عدد ممن تنامت في ذواتهم النزعة الازدواجية وصار لها حضور طاغ قاد إلى قبر الحقيقة حينا أو الالتفاف على بعض جزئياتها حينا آخر كضرب من الوفاء بمتطلبات المصلحة الشخصية وتلافيا لموجبات انحسارها! إن الانتماء إلى الصفوف الأمامية كـ: دعاة أو علماء أو مفكرين الخ ليس سبيلا ناجزا إلى الوجاهة والأضواء وإحراز المكتسبات مادية كانت أو معنوية فحسب وإنما هي تكليف ومناط للمسؤولية واستشعار للوازم التصدر بأشكالها كافة.
الانتساب بشكل أو بآخر إلى الطبقة المؤثرة في مجال الفعل في السياق العام ليس طريقا ممهدا لرفع وتيرة المكتسب الذاتي والتمحور حوله واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير وبصورة تتزايد جراءها تلك الفجوة العميقة بين النظرية والتطبيق, وذلك البون الشاسع بين المبادئ والسلوكيات وحينئذ تبيت المبادئ عبارة عن شكليات فارغة يجري توظيفها وبشكل بارع في مجال التلون والاحتيال بل ومخادعة الضمير على نحو يكشف عن ممارسة التفافية ترفض الكمون وتتأبى إلا أن تتجلى سافرة للعيان مهما مورس عليها من أشكال التدسية والتكتم ومحاولة التلبس بالنقيض!