النصوص تذيع سر الجمال والحب والأمل والوجدانيات
تتوارد على الذائقة أعذب الكلمات، ويطل الشوق من تضاعيف الوجد، وتنهمر قطرات الفأل بلقاء من تحب حينما تتأمل تفاصيل ديوان الشاعر محمد الخضري «يُشبهُكِ البحرُ».. فأنت أمام كلمات معبرة، وفكرة سلسة، ومعيار شعري يمازج المفردة الشعرية بسجع غير متكلّف، ونظم أنيق للعبارات حتى تخلص إلى فكرة الجمال الشعري بأقصر السبل، وأدق التفاصيل.
«يشبهك البحر» نسيج شعري يتخلص من رتابة العرض الشعري، فهو الذي يلقي القصيدة بين يديك وكأنها إضمامة ورود منوعة ليجعلك تختار ما تريد بكل عفوية وتلقائية، بنسيج لغة تعبير ناضجة ومستمدة من قاموس لفظي جميل، يمازج بين الكلمة والموقف، والنص والمشهد فلا يتخلّى الخضري أبداً عن ثنائياته الشاعر والجمال والحب والمطر، و»أنا وأنت».. بل «هو وهي» وحتى إمضاء النصوص يأتي في ثنائية طريفة بين «الخضري» الكاتب و»البستاني» المتأمل بشفافية وعمق لتفاصيل حقول الجمال والحب والبحث عن الذات التي تسمو إلى معاني البهاء.
فكرة الديوان في مجملها يسوقها الخضري إلى من يحب، لكن هذه الرسالة رغم خصوصيتها تذيع سر الجمال والحب والأمل والوجدانيات إلى ما حولها مما يخرج هذه النصوص من ربقة الذاتية أو النرجسية إلى عوالم معنوية يشترك فيها الجميع، ويتفقوا ضمناً على تفاصيلها في الذائقة والوجدان، أي أنك حينما تقرأ نصاً ما من نصوص هذه المجموعة الشعرية تشعر أنك تتقاطع معها بشكل مدهش وآسر.
فالكلمات التي يختارها الشاعر لقصائده ذات إطار موحّد يتمثّل في نسج شعري يقرب صورة الحدث، ويرسم تفاصيل المشهد:
«وحده المطر يعرف كل الدروب
الموصلة إليك!
وحده المطر الذي
يمسك بنواصي الوقت
ووحدك أنتِ ترحلين
معه إلى منافي المطر»
فالقاموس الشعري لهذه القصائد أو النصوص لا تخرج عن كل ما هو محفز لبناء مشهد عاطفي آسر كما في تفاصيل هذه القصيدة «السفر إلى منافي المطر» يستحضر فيها الشاعر لحظات نادرة كصور الغيم والمطر ورائحة المكان بعد هطول أثير ولمع برق وغمام يعانق الأفق وقمم الجبال، فلا أجمل من بيئة يؤسس فيها لتفاصل قصيدته المعبأة بأيام المطر وسيرة الغمام ومسيرة الغيوم عبر آفاق مترامية.
عناصر النص في هذه المجموعة الشعرية تتمثّل في الحالة الوجدانية لإنسان يعشق الحياة، ويتأمل الوجود، ويبوح بمكنون الذات علّه يطرد عن وجدانه غائلة اليأس، وصور العناء المترامي في تفاصيل حياتنا اليومية، فهو المتجلي في كتابة الهم الإنساني لكن بمسحة جمالية راقية تهذب الشعور وتختزل المعاناة إلى ما هو مبهج وسار:
«أداعب خد صبية
أعانق الريح
فتعصف بي
ألف مرة ومرة..
متكئ على كتف الوقت
أعاين رحيل الصحو
إلى أفق المجرة»
فالمشهد الشعر هنا يسعى إلى تبديد غمامة اليأس، لعل الشاعر الخضري أو كما يسمي ذاته «البستاني» أن يذود عن حمى حقول معانية ووجدانياته، لعله ينسج لنا بيت القصيدة من تفاصيل الفأل والأمل، فمن يدرك أن الحياة لها وجهان مظلم ومضيء فهو قادر على أن يمازج ويقارن ويرجح كفة ما هو إيجابي لتنتصر في الأخير لغة الحياة الجميلة.. تلك التي يسعى إليها الشاعر كجزء من رسالته الإنسانية المعبئة بالحب والمودة والسلام مع من حوله من كائنات وخلائق وأمكنة.
ينشغل الشاعر الخضري في ديوانه ببناء مشهد شعري حديث، ليغرق في تفاصيل كل ما هو عصري من المعاناة التي تواجه جيل اليوم، فلا شيء غير الأمل والوعد الجميل بأن تتبدل الأحوال نحو الممكن:
«خذ إليك هذه السوسنة
حافظ عليها
نقها من شوائب الزمن
ووعثاء المسير
خذها نبضاً وروحاً..»
في الختام لا بد من التأكيد على أن قصائد هذا الديوان تميل في مجملها إلى أسلوب كتابة النص المفتوح الذي يعتمد على الفكرة والمشهد وشاعرية اللغة.. كما أنه لا يطيل في كتابته النص إنما تراوح بين التوسط والقصر.
** ** **
إشارة:
يشبهك البحرشعر
محمد الخضري
دار فضاءات - عمان - الأردن 2014م
يقع الديوان في نحو (172صفحة) من القطع المتوسط