واحد ممن أنجبتهم قارورة العطر الصحراوية «عنيزة»، من الشعراء القلائل الذين ظلمهم الإعلام كثيراً،وبالمقابل لم يكن هو ممن أصابتهم حمّى الأضواء،واللهاث المسعور للحضور كيفما اتفق. منذ ديوانه الأول «عندما يسقط العراف» والقارئ يستشرف في نصوصه النزعة للتجديد،والابتكار في الصورة،وبناء الجملة. نسافر مع نصوصه رفقة أسئلته المتوالدة التي لا تفضي بك قطعاً إلى أجوبة حاسمة،بل إنّ السؤال الواحد غالباً ما يزرع سلالة أخرى من الأسئلة. «أنا كتاب مفتوح منذ بداياتي» هكذا يقول صاحب «قصائد في زمن السفر» في واحدة من حواراته،وهكذا هم الشعراء الحقيقيون يعيشون الشعر قبل كتابته،وليس لهم وجوه أخرى يتسلّقون بها،نعم الصفاء والبهاء لا يستولد إلاّ القصائد الجميلة. عندما تقرأ الأجيال اللاحقة لهذا الشاعر،عليها أن تفطن إلى السياق الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي كتب فيه الشاعر نصّه،ذلك إذا أردنا أن نكون أمناء للنصّ الأدبي عموماً،ولقصيدة أحمد الصالح مسافر بوجه خاص. توظيف للتراث،والأسطورة واحدة من رافعات القصيدة،تنبّه لها الشاعر قبل الكثير من الشعراء المحليين،يفعل ذلك كما يفعل غيره من مبدعي العالم حتى لا يجفّ ماء القصيدة،ويخبو بريقها مع تقادم الأيام. «ولذا يسميه سعد البازعي: شاعر المرأة، ويجعله بدوي طبانة في طليعة الشعراء الغزليين العشاق» ذلك ما قاله الشاعر والناقد عبد الله الوشمي في ليلة تكريمه بنادي الرياض،وحسنًا فعلوا،وهاهي الجزيرة الثقافية تفرد له ملفّاً يليق بقامة وقيمة كالشاعر مسافر،ولنا أن ننتفض جميعاً لنقرأ بشكل آخر،ورؤية مغايرة لصاحب «انتفضي أيتها المليحة» ومن المحال التجاوز فنياً وإبداعياً بالقفز على المراحل،لأنّ ذلك يسمّى نشازاً شئنا أم أبينا!! وكيف لنا التعاطي مع المنجزات الجمالية الحديثة،ونحن لم نستوعب مشهدنا الشعري القريب. هذا الجسر الثقافي الطويل،لابدّ أن يكون ممدوداً،لمن أراد الوصول.