الشاعر الكبير ( مسافر) أحمد الصالح أحد روّاد التجديد الشعري في بلادنا، وقد كان تجديده متّكأً على خلفية أدبية تراثية، انطلق منها إلى التجديد وهو يحمل الأصالة والمعاصرة معاً. وهو إن كان (الزاهد حالياً بالأضواء) كما وصفه صديقه الأديب د. إبراهيم بن عبد الرحمن التركي، فهو لا يزال وسيظل الشاعر المجدِّد المبدع، ما نشره الشاعر من دواوين شعرية أثْرت المكتبة الشعرية السعودية والعربية وأثّرت إبداعاً في الذائقة الشعرية.. ستبقى شاهداً على بداية تجديد الجيل الأدبي المعاصر، من أمثال المرحوم الشاعر محمد الثبيتي والشاعر سعد الحميدين وغيرهما.
أختم هذه السطور بما سبق أن كتبته عن شاعرنا أ. أحمد الصالح الذي طالما سافرنا عبر قوافيه إلى عوالم الجمال وشجون الأمة، وفضاءات الإبداع.. لقد قلت عن رحلته الشعرية: الشعر عند (أحمد الصالح) رسالة وليس تسلية، وعناء لا ترفاً، إنني أعلم أنّ هذا الشاعر لم يجلس يوماً ليرغم نفسه على كتابة قصيدة، فالقصيدة هي التي تكتبه حقيقة لا خيالاً. ومن هنا فإنّ علائم الصدق والإجادة والتجلّي تلازم قصائده، فهو إن كتب شعراً عمودياً تجد هذا الإبداع متوشّحاً قصائده، وهو إن أبدع شعراً حديثاً تجد هذا الإبداع متلبساً قوافيه.
صفة أخرى رائعة تلازمه بل لعلها مفتاح قصائده تماماً كما هو مفتاح شخصيته، تلكم هي (الصدق).
إنّ هذا الإنسان كما هو صادق في حياته وصداقاته، وفي مودته، فهو صادق في قصائده ووجدانه وأشجانه وتجلياته وعطاءاته. هناك ميزة أخرى لشعره أشار إليها الناقد المعروف جلال العشري في مقدمة أول ديوان أصدره هذا الشاعر (عندما يسقط العراف)، عندما قال هذا الناقد عنه: ( إنه شاعر الفطرة والفكرة)، هذان هما الجناحان اللذان يحلق بهما هذا الشاعر المسافر أبداً، عبر الزمن الغارب، عبر شفتي الجرح، عبر مواجع العشاق، عبر الفرح الذبيح ورحلة الجراح، من هنا لا من هناك.. ولا من أي مكان آخر، كانت رحلة هذا الشاعر المسافر، هي رحلة القارب المزوّد بأصالته المتجه بشراعه صوب الحداثة والمعاصرة). إنه فعلاً شاعر الفطرة النقية، والفكرة المتألقة. وهو - أخيراً - وإن أعطى لنفسه لقب (مسافر) لكنه إنسان (مقيم) في دنيا الشيم وشاعر (مستقر) في مدينة الإبداع أبداً. متّع الله شاعرنا المبدع بمزيد من العافية والفيض من العطاء.