علامات ما قبلها
في جيلنا الشبابي (اليسار العروبي) تتكشف علامات بارزة، وسأعطي مثلا أشهد عليه من المدرسة الثانوية بعنيزة وهم زملاء ورفاق نشترك معهم في الهوس العروبي، وفرقنا عنهم أننا في المعهد العلمي لا نفرط بالصلاة، أما هم فلا نعرف سوى اثنين تعيينا وتحديدا يصليان ولا غيرهما في المدرسة كلها، وكذا لم تكن اللحية من علامات أي شاب، إلا نوادر في المعهد فقط، وفي المحافل كانت القصائد العروبية هي الملهب للحماس، ونشأت أنا وجيلي على وقع شعر ثمانية شعراء من بلدتنا كانت الأماسي تعمر بهم وبحماسهم القومي حتى كنا نغذي نهمنا القومي بهم ومعهم،ويظل موعدنا مع شعرهم الحي المتقد والصادح باسم بطل القومية والوحدة ثم الاشتراكية حين أعلنها عبد الناصر في خطاب مشهور وصار اسمها الاشتراكية العربية. وكدليل واقعي على قوة هذه العلامات فإن واحدا من أقاربي تعبت والدتي تبحث له عن زوجة ولم تفلح لأن له لحية كما هو رد إحدى بنات عمه، واضطر للزواج من فتاة من بلدة أخرى، وهي قصة أنا أشهد عليها ومازلت مع قريبي نتندر بذكرها كلما هبت الذكريات. ثم جاءت الصحوة لتكون الصلاة ومظهر اللحية هما أهم علامات أي شاب من جيل الصحوة، هذه علامات جسدية تصدر عن وعي مختلف بين ظرف ثقافي وظرف ثقافي آخر، وهو اختلاف جذري في الفكر كما هو اختلاف في نظام العلامات الكاشفة، ولكنه لن يختلف نسقيا من حيث السلوك الذهني والموقف من الذات والآخر.