القراءة حق مشروع للجميع، وفي حين تبرز أهميتها للمبصرين، تتضاعف أكثر بالنسبة لذوي العوق البصري، إذ تعد القراءة نافذتهم الأجمل للإطلال على الحياة، وأحد أهم مكونات الفعل الثقافي.
لكن هل تجد هذه الفئة من الكتب والمطبوعات محليا ما يشبع نهمها للمعرفة ويلون عالمها بمختلف الإبداعات.
للأسف إن أصحاب هذه الفئة يؤكدون افتقارهم لذلك، كما يؤكدون افتقارهم لمؤسسات ثقافية تتبنى مواهبهم وتعمد لصقلها. لذا بدا من الجيد أن يلتفت أحد الأندية الأدبية مؤخرا، لأهمية الاهتمام بتوفير المنتج الأدبي والفني والثقافي لذوي العوق البصري «المكفوفين»، وإلى ضرورة فسح المجال لهذه الفئة المعروفة عالميا برهافة حسها الأدبي والفني، لنيل حقها الطبيعي في مزاولة أنشطتها الثقافية والأدبية والفنية عبر جمعيات الثقافة والفنون والأندية الأدبية وأن تنال حظها من الدورات والورش الأدبية أسوة بالمبصرين.
وفي بادرة تحسب له كمؤسسة ثقافية معنية بالجانب التثقيفي ونشر الثقافة والوعي بين المواطنين كحق مشروع للجميع دون استثناء نتيجة ظرف قاهر، وتأمين بعض ما يسهم في تعزيزها. أعلن نادي الرياض أخيرا على لسان رئيس مجلسه الدكتور عبدالله الحيدري عن عزم النادي توقيع اتفاقية شراكة مع جمعية (كفيف)، لترجمة بعض إصدارات النادي في مختلف الفنون الإبداعية للغة (برايل)، للمكفوفين في ذكرى الاحتفال باليوم الوطني.
وذكر أن الاتفاقية ستتضمن إشراك المبدعين من جمعية (كفيف) في مختلف فعاليات النادي عبر لجانه المختلفة، لجنة السرد، وبيت الشعر، والنشاط المنبري، والدورات والورش الأدبية.
وقد سبق هذه الخطوة من قبل النادي، افتتاحه لمعرض الكتاب الخيري الثامن الذي نظمه النادي بالتعاون مع جمعية المكفوفين (كفيف)، معلنا وقتها بأن ريعه يعود لجمعية المكفوفين بالرياض.
ورغم أهمية مثل هذه الخطوة التي جاءت متأخرة، فهي بحاجة إلى أن يتم تبنيها على نطاق واسع من قبل جميع الأندية الأدبية في المملكة، وفروع جمعية الثقافة والفنون وكثير من المؤسسات، وليس نادي الرياض فحسب.
وللتوضيح فإن لغة «برايل»، تعتمد على فكرة (النقاط الست البارزة)، وتتكون من عدد من الخلايا، تحتوي كل واحدة منها على عمودين، يتكون كل عمود من ثلاث نقاط بارزة، يستطيع الكفيف أن يقرأها من خلال تلمسها بأطراف أنامله، أرقام النقاط في العمود الأول من الخلية هي: 1-2-3 من أعلى إلى أسفل، وأرقام النقاط في العمود الثاني من الخلية هي: 4-5-6 من أعلى إلى أسفل أيضاً. ويتكون كل حرف أو كلمة أو عدد أو علامة ترقيم أو علامة إعراب أو حرف موسيقي من تكوين خاص لهذه الحروف البارزة.
وتعاني شريحة المكفوفين لدينا، بحسب ما أكدت لي عدد من الكفيفات، من ندرة في الكتب الجيدة والمنوعة المطبوعة بلغة «برايل»، حيث يغلب على الإصدارات التي توفرها التربية الخاصة، فئة ذوي العوق البصري في وزارة التربية والتعليم كتب اللغة العربية والدينية، إضافة إلى توفير مجلة للكبار «الفجر»، ومجلة للصغار «مشعل». وهو ما يجعل كثيرا من الراغبين في المطالعة من هذه الفئة مضطرين للجوء لمطالعة ما توفره شبكة الإنترنت من كتب، كما يضطر عدد منهم لاقتناء أجهزة تقوم بتحويل الكتابة المطبوعة العادية إلى كتابة «برايل»، أو كتابة ناطقة، وهو ما يمكنهم من قراءة أي مطبوعة متوفرة. بيد أن هذا النوع من الأجهزة تكلفته باهظة وغير متاحة للجميع حيث يتجاوز سعر بعضها العشرين ألف ريال.
والمفارقة أن هذه الأجهزة التي يتعذر شراؤها على الكثير من المكفوفين لدينا، يتم توزيعها مجانا في بعض الدول على الطلاب، حيث يقوم مجلس أبوظبي للتعليم منذ سنوات بتوزيعها على الطلاب بهدف توفير فرص تعليمية متكافئة لطلابه ودمجهم كمواطنين فاعلين في المجتمع.
ولأننا للأسف نعيش قصورا واضحا على مستوى الخدمات المجتمعية المقدمة لهذه الفئة، نلحظ غياب الكثير من مظاهر الاهتمام بهم على المستوى الثقافي، ونادرا ما ترى مكتبة تعنى بتوفير ما يستجد من مطبوعاتهم، حتى مكتباتنا التجارية التي تهدف للربح، وهو ما يبرر في المقابل ندرة بروز أحد منهم كأديب، أو مثقف أو فنان أو شخصية اعتبارية. بسبب غياب الكثير من العوامل الفاعلة التي تغذي الجوانب الإبداعية لذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام وشريحة ذوي العوق البصري بشكل خاص.
حتى على المستوى الاجتماعي، يفتقر الكفيف للخدمات التي تقدم له بلغته الخاصة، فقائمة الطعام في المطاعم تخلو من هذه اللغة، كما تخلو منشورات الكثير من مؤسسات المجتمع المدني من ذلك أيضا.
وقد طالعت قبل فترة زمنية إعلانا عن إطلاق مقهى للقراءة خدمة تعد الأولى من نوعها في السعودية، وهي توفير كتب لذوي العوق البصري، إضافة إلى عرض قائمة المشروبات المطبوعة بلغة برايل، ليستمتع الكفيف بمشروبه المفضل مع قراءة ما يرغب من الكتب المعروضة مجانا، التي ذكر الإعلان بأنها تجاوزت الـ19 كتابا فى مرحلتها الأولى.
وهي تجربة رغم بساطتها تستحق أن تشجع وأن يتم تعميمها، بحيث لا تظل هذه الفئة شبه معزولة عن المجتمع وبعيدة عن كثير من فعاليات مؤسساته الثقافية وما قد يسهم في تعزيز قدراتها وصقل مواهبها، التي تعود في النهاية عليها وعلى الوطن بالنفع.
فمتى ستجد هذه الفئة من قبل جميع مؤسساتنا الاهتمام الذي تستحق؟