سأستعيرُ نظارة السلحفاة من صديقتي لعلي أحظى بشيء من الحكمة!
يأتي النهارُ بتلقائيةٍ شديدةٍ كالضوءِ الذي أوهمونا أنه بانتظارنا في نهاية النفق- رغم أنّ بعضَ الأنفاق ِ مسدودةٌ- وليس عليه أن يثبتَ نفسه لأي أحد كأنه يقول: أنا هو أنا وليس عليّ فعل شيءٍ لتأكيدِ ذلك لكم، كما قال أرنبٌ مشاكسٌ ذاتَ مرةٍ! تنشر شمسُه وإن لم تشرق كليًا علاماتُ التعجبِ الصفراء- التي تلائم الخطَ الأصفرَ الذي أبحث عنه اقتداءً بدوروثي للوصول إلى برٍ آمن ولا أعرف إن كنتُ قبلها في بحرٍ أم أنني أستخدمه مجازًا مكرورًا ومبتذلًا- تدعوك لانتعال واحدةٍ من هذه العلامات واعتمارِ الدهشةِ ومهارة السؤال وقرع الطريق بكعب حذائك، فليس بإمكانِ الجميع أن ينتقلَ عبر فقاعةٍ على رأيِ الساحرة ِالطيبةِ، ولا تخشَ ممن يمتطي مكنسته فأولئك لا يظهرون إلا في الظلام!
في الظلامِ تبدو الأشياءُ بلونٍ واحدٍ ولا يمكنك أن تميز بين تفاحةٍ حمراء وأخرى خضراء، فكلها تتشح بالسوادِ رغمًا عنها، وربما استطعتَ أن تميز شكلها بيديك وبحواسك الأخرى ولكن لا شيءَ منها سيعينك على تلمس اللونِ سوى النهار – بكافةِ مترادفاته المضيئةِ- ولاحظْ أن الضوءَ لن يساعدَك كثيرًا إن كنت تضع نظارةً سوداءَ تجعل ما حولك مظلمًا وأنت في وضح النورِ، عليك أن تتذكّرَ دومًا قصةَ ظلام مع الألوان!
من الواردِ أن تبدأَ يومَك باحتساءِ القهوة أو الشاي، فالقهوة «لمن أدمنها هي مفتاحُ النهار» على رأي محمود درويش، رغم أنهما – القهوة والشاي- مشروبان ظلاميان داكنا اللون لكنهما يمكن أن يكونا معادليْن موضوعييْن لصباحك!
يأتيك النهارُ –يختال ضاحكًا- متنكرًا بهيئةِ مصباحٍ يضيء في عقلك وروحك في لحظةِ كشفٍ، غير مكترثٍ إن كان مجيئه ذاك ليلًا، عابرًا بك من ضفةٍ إلى أخرى أكثرَ أمانًا، مثلما تجسّد لحيّ بن يقظان في موتِ أمه الغزالةِ، أو مثلما رآه أرخميدس حين صاح «وجدتها»، أو نيوتن لحظةَ سقوط التفاحةِ، أو حتى في لحظاتِ انتصار أبطالِ الحكاياتِ الذين تعرف أنهم من سينتصرون بمجردِ أن تنظرَ إلى وجوههم المنيرةِ الجميلةِ ووجوه خصومهم القبيحةِ المعتمةِ، ليس عليك أن تتذكّر «ظلامًا» هنا أيضًا، يكفي أن تتذكّرَ الساحرة الطيبةَ ونظيرتها الشريرةِ ذاتَ الرداءِ الأسودِ في قصةِ «ساحر أوز»!
رغم أنّ النهارَ وإشراقاتِه لا تتوافق كثيرًا مع الأسرارِ الغامضةِ، إلا أنّ ابتسامةَ الموناليزا المستغرقةِ في سلامها – والساخرة أيضًا -ما زالت تحيّر من ينظر إليها، لم يكن الأمر متعلقًا بالتقنياتِ اللونيةِ أو الضبابيةِ في اللوحةِ كما يقول النقّادُ، كلُ ما في الأمرِ أنها شعرت بالوئام الداخلي، تمامًا كما عرف والدي رحمه الله السكينةَ حتى في أكثرِ أوقاته حلكةً وظل وجهه مضيئًا بنورٍ آثر أنه يصحبَه دونًا عنا.
«مرغم عليك يا صُبح مغصوب يا ليل
لادخلتها برِجْليَّا ولا كانلي ميل
شايلنِّي شيل دخلت أنا في الحياة
وبكره ح اخرج منها شايلِّني شيل
عجبي !!»
صلاح جاهين