سليمان الحلوة كاد أن يغير بحروفيته ما شاب الساحة من تجارب حروفية عقيمة
الكتابة عن أيّ مجال من مجالات الفنون الإنسانيَّة على اختلافها أدبًا كانت أو فنونًا بصرية ومنها الفنون التشكيلية توجب على القائم على هذه المهمة أن يكون متابعًا وراصدًا لكل ما يمر به من نتاج الأفراد قدر الإمكان حتَّى يصبح لديه مختزل يعود إليه كُلَّما أراد التطرَّق لأيِّ من المبدعين، ومن هذا المنطلق فقد وضعت في الحسبان هذا الأمر وأعددت مذكرات وسبل توثيق عبر مسلكين منهما البحث فيما يصدر عن الساحة أو الفنانين التشكيليين أو من خلال اللقاءات مع ممارسي هذا الفن، منذ انطلاقته الحقيقية قبل ما يقارب الأربعين عامًا لا يمكن أن نحسب من مر بها من أجيال إذا علمنا أن الجيل خمسة وثلاثون عامًا وإنما يمكن أن نشير إليها بالعقود الأربعة التي امتزجت فيها مراحل التحاق الفنانين بهذا الفن ومشاركاتهم.
أسماء افتقدتها الساحة
اليوم وعودًا إلى ما مر على مسيرة الفن التشكيلي المحلي نسعد أن نذكر بأسماء كان لها دورها في انطلاقة الفن التشكيلي المحلي تقديرًا لهم عبر سلسلة نقدم من خلالها الأسماء التي افتقدتهم الساحة مع ما كانت عليه تجاربهم من أهمية ودور في تأسيس الفن التشكيلي في المملكة العربيَّة السعوديَّة أبدعوا وساهموا وشاركوا في وضع اللبنة الأولى، قدَّموا أعمالاً تحمل خصوصية وأساليب لو قدر لها الاستمرار والتواصل في حضورها لأحدثت تغيرًا وكوَّنت نقلة مختلفة وساعدت في تثبيت مسيرة الفن التشكيلي المحلي.
غابت تلك الأسماء بشكل هادئ منها من ابتعد تمامًا ومنهم من له حضور غير مؤثِّر لتقطع ذلك الحضور بالرغم من أن لكل منهم قيمته الفنيَّة بما تحمله أعمالهم من ملامح الهوية المحليَّة بأساليب معاصرة بالرغم من أن حضورهم السابق كان في بداية التأسيس وتلمس الطريق، مما يدل على بعد نظرهم وقدرتهم على اكتساب الخبرة وتحويرها وتحويلها إلى شكل جديد يجمع المعاصرة والحداثة باستلهام الموروث سنستعرض بعض منها ونختارهم بناء على الأساليب وتقنيات التنفيذ.
سليمان الحلوة..
إبداعان وئدا في مهدهما
الإبداعان هنا هما الفنان سليمان الحلوة كفنان لا يمكن تجاهله أو نسيانه والإبداع الآخر هو ما أبدعته أنامله وتوقف في فترة لم تتمكن الساحة من أن تحقق به إنجازًا محليًّا وعربيًّا، توقف يبعث التساؤل ويشعرنا بالأسى، وإذا غضضنا الطرف عن أسباب التوقف كونها أمور شخصيَّة معه ما نتوقعه من عدم رضا الفنان بما يدور حوله من فوضى وعدم انضباط في كيفية اختيار المشاركين في المعارض وتقييم العمل الجيد من الرديء وهذا رأي نتفق مع كل من توقف نتيجة شعوره بهذه التصرَّفات ويمكن لنا أن نستشهد بما عليه للساحة من تراجع وانقسامات ورداءة منتج.
ونعود لإبداع الحلوة الثاني وهو تجربته المبكرة في تشكيل الحرف مع ما يمكن أن نعتبره تأثر البدايات ووجود أوجه شبه بين إبداعاته وبين من سبقوه من فناني الحروفية العرب، لكننا نحتفظ له بخصوصية بدأت ملامحها مع كل عمل ينجزه فهو لا يعتمد على الحرف في اللوحة فقط وإنما يضيف ويضفي لها لمسات تشكيلية لا تختل اللوحة لو أزحنا الحروف منها، بل تبقى حاملة جمال التكوين وتوزيع العناصر.
لقد كانت متابعتي مبكرة للفنان سليمان الحلوة وصولاً إلى معرض فناني الرياض عام 1409هـ الذي كان المحطة الأخيرة بالنسبة لي افتقدته بعدها إلا من رسالة جميلة تضمنت (اسكتش) بالقلم الأزرق الجاف حملت إحساسه (الأصل والصادق) وعلاقته الروحية مع عناصر لوحاته دون تزويق أو تلوين أو تبهير تؤكد لغيري أنه كما عرفته فنان بمعنى الكلمة.
غاب الفنان الحلوة وغابت معه إبداعاته الأحلى دون ضجيج ولم يبق سوى بعض من صور أعماله التي تبعثرت في إصدارات المعارض التي شارك فيها، التي كانت تقام بإشراف الرئاسة العامَّة لرعاية الشباب قبل ضم الثقافة والفنون لوزارة الثقافة والإعلام.
لم يكن باحثًا عن الإعلام ولم ينشئ علاقات مع صحفيين ولم يستجد صحفيًا للكتابة عنه، لقناعته أن الفن حينما يخالطه نفاق ينتهي ويوأد.
سيرة عطرة رغم تواضعها
سليمان الحلوة من مواليد الرياض عام 1380هـ بكالوريوس تربية فنيَّة من جامعة الملك سعود عام 1407هـ عضو في جمعية الثقافة والفنون وأحد مرتادي مرسمها في تلك الفترة، شارك في بعض من معارض الرئاسة العامَّة لرعاية الشباب ومعارض جمعية الثقافة والفنون ومعارض مكتب الوسطى بالرياض وفي مهرجان الجنادرية الثاني 1406هـ ومهرجان الجنادرية الثالث 1407ومعرض فانكوفر الذي أقيم بمناسبة معرض النقل (إكسبو) 1960موفي معرض الرياض بين الأمس واليوم في لندن عام 1406 وفي باريس 1407هـ حصل على الجائزة الأولى أكثر من مرة في مسابقات مكتب الوسطى والرئاسة العامَّة لرعاية الشباب حاصل على العديد من شهادات التقدير له مقتنيات في الرئاسة العامَّة لرعاية الشباب وجمعية الثقافة والفنون ومقتنيات لدى شخصيات ومؤسسات.
هذه الحصيلة وفي فترة لا تزيد عن الخمس سنوات تكشف لنا أن الفنان الحلوة يعد منافسًا وقادرًا على تخطي كل المعوقات ومنافسة الكثير من الأسماء التي كانت تدعي أنها تقدم تشكيل الحرف العربي أكثر مما كان يقدمه الحلوة كما أجزم أن الحلوة لو استمر في تجاربه خصوصًا التي ينفذها بالألوان المائية لتشكيل الحروف العربيَّة لكان له ريادته وأن يغير بتجربته ما شاب الساحة من تجارب حروفية عقيمة.. ومع أننا نكاد أن نفقد اسم وتجربة مهمة إلا أن الأمل كبير في أن يعود الفنان سليمان الحلوة إلى الساحة وهي دعوة نوجهها له عبر هذه الصفحة من المجلة الثقافية بجريدة الجزيرة.