كنت في زيارة لوكالة وزارة الثقافة والإعلام ،أبحث عن مجموعة من الروايات السعودية، بطلب من إذاعة الرياض للمشاركة بها في مشروع تمثيل الروايات الخليجية لصالح مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لمجلس التعاون الخليجي، وقد وفى معي الزملاء في قسم المكتبات في الوكالة، وتم البحث عن طلبي، ووجدت عددا من الكتب التي طبعتها الوزارة مشكورة، وما اشترته من المؤلفين السعوديين، وغالبيتها في مكتبتي، ولفت نظري كتابان، الأول،كتاب عن ابن معصوم المدني، وهذا العالم الشاعر الأديب له فضل على الثقافة العربية في شبه القارة الهندية في القرن الثامن الهجري، عندما استقدمه السلطان عبد الله شاه ملك كُجرات لتعليم ابنه اللغة العربية و من ثم زوجه ابنته وجعله نائبا له ، وهذا موضوع يحتاج إلى مقال مستقل، بيد أنني كتبت عنه ضمن بحثي في الشعر العربي في شرق الجزيرة العربية، من القرن السابع إلى القرن الثاني عشر الهجري الذي فاز في دورة علي ابن المقرب في البحرين لجائزة عبد العزيز البابطين للإبداع الشعري سنة 2002. أما الكتاب الثاني، فكان بعنوان( مذكرات معلمة) للكاتبة الأديبة القاصة، بهية بو سبيت، ومما لفت نظري في هذا الكتاب عنوانه، وأنا مولع بالمذكرات والسيرة واليوميات، كجزء من السرد، وهو تخصصي الأساسي، أضف إلى ذلك أن الموضوع يتعلق بالتعليم، وهذه مهنتي لم أمتهن غيرها،وهناك سبب آخر، وهو أن هذه المذكرات كتبت من قبل امرأة، وهذا نوع نادر في السرد، ولهذه الأسباب خطفت الكتابين، الأول كمرجع أريد أن أرى الباحث ماذا قال عن ذلك العالم الأديب، ولا أكثر من ذلك؛ أما الثاني فقد ذكرت مبررات اهتمامي به، وشرعت في قراءته فوراً لإشباع هذا الفضول المهني عن معلمة مارست التعليم النسائي في بداياته وما كانت تتعرض له من المعوقات التي تتعرض لمن يعمل في هذه المهنة خاصة من النساء الوطنيات، كوسائل النقل والتغرب والتعامل مع أولياء أمور الطالبات، والإدارة التي كان يشغلها بعض الأخوات من المدرسات من البلاد العربية، وندرة المعلمة الوطنية، والحقيقة أن الكاتبة بذلت جهداً ليس بالغريب عليها، من ناحية أنها كاتبة مارست الكتابة الصحفية في جريدة اليوم، وكتبت القصة والخاطرة، من ناحية أخرى، لكن تجربة المذكرات تعتبر جديدة عليها، فوصفت في بداية حديثها يومها الأول في التعليم في إحدى قرى الأحساء، وأهدت هذا الكتاب لأهل القرية الطيبين( أهل المراح) شمال شرق الهفوف، واتي تبعد عن منزلها 28 كيلو مترا، حسب وصفها، كما ذكرت أنها سعيدة بهذه الوظيفة لثلاثة أسباب: الأول، إنها محبة لهذه المهنة التي تعمل أختها الكبرى فيها وفي نفس المدرسة الابتدائية في المراح، ولم تذكر عن أختها شيئاً غير هذا في هذه المذكرات، كما تعترف أنها ليست مؤهلة تربوياً، كخريجات معاهد المعلمات المتوسطة، بل أنها أعلى من هن درجة، فهي خريجة الثانوية العامة، وهن خريجات متوسطة، لكنهن مؤهلات في المواد المسلكية. والثاني أنها تريد أن تثبت للمجتمع قدرة المرأة على القيام بمهام كانت مقصورة على الرجل فقط، والثالث، أنها ترغب وبشدة في مساعدة أبيها على مصاريف الأسرة، وإن كان ليس بحاجة – كما قالت- فكلهم بنات قبل أن يرزق أبناء. وبالرغم من أنها ليست مؤهلة إلا أنها استطاعت أن تقدم ما لم يقدمه كثير من المعلمات وهذه طريقة متقدمة جداً في التربية والتعليم وهي تدرس الصفوف الأولية (ثاني وثالث)، وهي احتواء الطالبات الصغيرات بتقديم الهدايا والحلوى لمن يتقدم منهن في دراسته ومواظبته ونظافته وغير ذلك، وبهذه الطريقة استطاعت أن ترفع مستواهن العلمي والأخلاقي، حتى أنه في يوم توزيع الشهادات في آخر العام كن يبكين على فراقها، وهذا دليل على جذب النفس الإنسانية بالإحسان، وبالتالي تقبل كل ما يقوله المعلم أو القائد، ونبذ النفور من المدرسة والتسرب منها، كان موقف هذه المعلمة موقف النبيل المخلص لمهنته الجاني لثمارها بروح القيادة الناجحة سواء في هذه المدرسة أو المدرسة التي نقلت إليها ووجدت فيها ما ينافي خططها الطموحة، فجاهدت للإصلاح ونجحت في كثير من بنود خطتها التربوية. ولكن يؤخذ على هذه الكاتبة عدد من النقاط السردية، وهذا لا يعيب نجاحها كمعلمة مثالية، وأولها الإسراف في الرومانسية عندما تتحدث عن حبها وتقديرها واحترامها لزميلتها المصرية التي كانت تشعر بوحشة شديدة عندما تذهب في إجازتها السنوية وكأنها تعيش خارج أسرتها، وكان يجب أن تصرف هذا الجهد في وصف حالة التعليم أو ما يمكنها من قراءة بعض النظريات التعليمية، ولا نعيب عليها تقديرها لتلك المعلمة التي أحبتها وساعدتها بخبراتها وتجاربها الطويلة في نفس المهنة. ثم أن المذكرات تختلف عن السيرة وعن السرد الأدبي القصصي، وقد سيطر عليها هذا النوع من الكتابة كثيراً مما جعلها في بعض الأحيان تسهب بعيداً عن الموضوع ، وبم ا أنها مذكرات فيجب ذكر التواريخ،ولم تذكر شيئاً منها، وفي بعضالفصول نجدها تتحث عن موضوع مقالي حول الأخلاق ومحبة الله والناس وما يجب علينا فعله، وهذا النوع كثير في مقالاتها حول الأسرة والشباب المتزوجين ومستقبل الحياة. إننا بجاجة إلى كثير من هذه المذكرات لينتفع بها شبابنا، لكن يجب أن نعرف كيفية كتابتها، والأستاذة بهية تستحق منا التقدير والاحترام على جهودها الأدبية والثقافية والتربوية وكذلك زميلاتها، فقد أدين أدواراً مهمة في الحياة التربوية والتعليمة في وقت مبكر وظروف صعبة تجاوزنها بكل نجاح ..