أكد أستاذ النقد الأدبي بجامعة الملك خالد الدكتور عبد الله حامد أنه لا يمكن أن يتقبل من المثقف أن يسلِّع عمله العلمي والإبداعي من خلال ممارسات دعائية تتم عبر تجاوزات صادمة للثابت الديني أو الاجتماعي، مشيراً إلى أنه يعي أن هذه فئة عاجزة وغير قادرة من خلال وعيها وإبداعها على الإبهار إلا من خلال هذه التجاوزات، وأضاف «يقيني أن من قعدت به موهبته أو علمه فلن يتمكن من تكريس اسمه ورسمه مهما بذل من تجاوز أرعن».
واستهل الدكتور حامد حديثه لـ»الثقافية» قائلاً: سآخذ مفهوم المثقف بعمومية تشمل المفكر والمبدع والمدعي أيضاً، متجاوزاً ما بينها من تداخل وتقاطع، وأن المثقف بشر يأكل ويشرب ويمشي في الأسواق! له احتياجاته المادية التي من حقه أن يلبيها وفق منظومة من القيم التي ترفعه عن بعض الممارسات الغاشة، والتي يمكن أن نراها بألم من «تاجر» عابر أو «بائع نزق». وأضاف «قلّب نظرك في بعض صفحات «الفيس أو تويتر» أو بعض المقالات ستجد ذلك واضحاً، فهناك فئة جعلت همّها أن تحضر، وأن تستحضر تشوهاتها لإقامة حوارات حول كتاباتها الضعيفة بمعيار العلم والإبداع!.. وهناك نوع آخر من التسليع الغبي المتذاكي يتم من خلال رسم حالة من «البكائيات» والنواح على مبدع أو كاتب من أصدقاء ومقربين له!.. وتتحول هذه الحالة إلى «جنائزية» بموسيقى حزينة جداً لمبدع ظلمه مجتمعه وأقصاه، وحارب إبداعه، وأثّر على عيشه واقتصاده، منع من الكتابة، وسحب بعض إبداعه، ولولا الحياء القليل المتبقي لقيل إنه رهن الإقامة الجبرية، وإن كتبه قد أحرقت!.. ثم يستثمر بعض هؤلاء المرثيين من الكتّاب هذه الحالة التراجيدية، ويقومون بدون وعي بتمثيل دور الضحية الذي تهون مع حالته حالة «نيلسون مانديلا» ويتماهى مع الدور، وغاية مناه ومنتهى أمله أن توقفه الصحيفة عن الكتابة أو يهاجمه منتقد، أو يبكيه صديق في جلسات السمر؛ ليتجدد عنده هذا الشعور! يمارس بعض الكتّاب والمبدعين هذه الحالة مع أن صفحات التواصل الاجتماعي مشرعة لهم، والقنوات تحفل بلقاءاتهم كل حين، ومع ذلك لا يتورعون عن الحديث عن المصادرة والإلغاء الذي يمارس ضدهم.
وألمح الدكتور عبد الله حامد إلى أن بعض المؤسسات الربحية قد تدخل في هذا التسليع المضحك عبر إعلانات عن نسب توزيع كبيرة لكتاب ما، أو عبر إشاعة يعشقها بعض الكتّاب ويمررها أو يصمت عنها وهي إشاعة أن كتابه قد منع، أو أن نسخه قد أوشكت على الانتهاء، أو أن نسب بيعه قد حازت مرتبة متقدمة!.. وهو نوع من العبث الذي يعي المطلع أن وراءه ذات استثمارية متضخمة، مشيراً إلى أن تلك الحالة تتكرر مع معارض الكتاب، بتدبير مشترك بين المؤلف أو المبدع والدار!.. وكم أشعر بالخجل لهؤلاء وأولئك وأنا أسير في معارض الكتاب، وأرى كتب الكبار ثقافة وأدباً ووعياً تسجل نسباً عالية في الشراء لا تغيب عن العين المجردة، وأصحابها صامتون عن الهالات الإعلامية لنتاجهم، فهم يكتبون ويدعون كتبهم تقرر مصير مستقبلها بنفسها.
باختصار: ليت المبدعين من (المسلّعين) يتأملون تجربة علي الدميني بكل تفاصيلها وإبداعها وتواضع صاحبها، ليعلموا أن التاريخ لن يُبقي سوى الصادقين.