تكتب أمينة عبدالوهاب لأن في حياتنا ما يجب أن يتغير، كما أنها تكتب بحثًا عن موطن للدهشة، ولأنها تريد أن تتحدث بطريقة أخرى وتلامس الانكسارات والخيبات حتى في التفاصيل الصغيرة التي يمر عليها البقية كمتفرجين. وهي تهدي ما كتبته في مجموعتها القصصية الأولى «سرير يتسع وقصص أخرى»، إلى الحقيقة التي يعرفها القلب وحده.
وفي مجموعتها التي صدرت مؤخرًا عن «نوفا بلس للنشر والتوزيع»، تلجأ القاصة في نحو 13 من نصوصها للسرد بضمير المتكلم مكتفية بسرد نصين بضمير الغائب، الأمر الذي يكاد يمحي في ذهن القارئ المسافة الفاصلة بين الراوي والكاتبة رغم التنوع النسبي في الشخوص المتناولة وإن اشتركت غالبيتها في الميل للاستسلام وقصر النفس.
ويلحظ من تواريخ القصص المكتوبة بين عامي»2011-2014»، عناية المؤلفة بانتقاء جملة من نصوصها وإرسالها للنشر بالرغم من أن عمر تجربتها القصصية توغل في الزمن أبعد من ذلك، وهي خطوة قليل ما نجدها لدى كتاب آخرين خلال مجاميعهم الأولى لأنها بحاجة إلى قدر لا بأس به من القدرة على مغالبة الرغبة لدى الكاتب في نشر جل ما كتب.
وفي نصها الأول «عبث»، تصطاد الساردة قارئها عبر مشهد صغير يصور طفلة تلهو بشكل عبثي لتسحبه بعيدًا لتأمل ومراجعة واقع البطلة العبثي بعد أن امتد أكثر مما يجب و»كبر معها»، وبدد أشياء عديدة كانت تبحث عنها غير أن البطلة رغم ذلك لا تثور على ما تعتقده عبثا يستوطنها لأنها تركن لحقيقة» أنه امتداد الطفولة الذي يلازمني فلا خلاص!».
وفي النص التالي «صفحة بيضاء»، الذي يأتي هو الآخر بضمير المتكلم تؤكد البطلة بأن» أسوأ أمر حين نعاود مشاهدة الأشخاص والأحداث بنظرة ثابتة»، وهو ما يدعوها كما يبدو للانتقال بالقارئ لماضي مراهقة تتحسس بذور الميل النابتة للتو نحو الجنس الآخر وتحاول أن تعيش قصة حب تسقطها على جارهم الشاب «لأن ابتسامته ساحرة حقًا! هذا كل ما كان يعجبني فيه، إضافة إلى إحساسي بأنه مهتم بي»، وبعد نجاح القاصة في تصعيد الحدث وخلق حواجز تصعب تحقيق هدف الزواج الذي تحلم به بطلة القصة، فأمه منعزلة لا تتواصل مع الجارات، وأخته زميلتها في المدرسة لكنها: «حاولت التودد إليها مرارًا ولكن يبدو أن أقطابنا متنافرة»، وهو ما دعاها هنا أيضًا للاستسلام «وحين لم استطع الوصول إليه أغلقت كل النوافذ، فأنا لا أحب الطرق العسيرة».
وتختم القصة بمفارقة تكشف الستار عن أن البطل المحبوب صاحب الابتسامة الساحرة ما هو إلا كفيف لم يفطن يومًا لوجود الشابة الصغيرة ولذلك «سقطت نقطة بقوة على آخر السطر». ومع هذه المفارقة والعبارة الفاصلة والأنيقة كان يمكن أن ينتهي النص تاركًا أثرًا في نفس القارئ غير أن الكاتبة فضلت تمديده لتحكي في الوقت الضائع عن وقع مثل هذه التجربة على نفس البطلة اليوم وكيف قررت أن تنظر لها بمنظار مشرق دعاها لتجميل الواقع الذي لم تكن تعرفه عن ذلك الكفيف فقط لتؤكد على ما ذهبت إليه في مطلع النص.
وفي النص الذي حمل عنوان المجموعة «سرير يتسع»، توظف الكاتبة مشهدًا خارجيًا مضطربًا لمستشفى يتعرض لحادث حريق لتوقفنا على صخب داخلي أكبر يمور في نفس فتاة مشلولة تتوجس الخطر المحدق بها وتنتظر من ينتشلها منه دون أن تعي حقيقة ما يدور حولها.
وفي «مباغتة»، تصور القاصة انكسار من نوع آخر أشد وقعًا وألمًا وهو انكسار مباغتة الموت. غير أن المؤلفة في قصتها «مأزق»، تكسر قاعدة استسلام بطلاتها للخيبات، لتنجح إحداهن أخيرًا في اتخاذ موقف تراه يصب في صالحها وإن كانت تعود للأمر مجددًا عبر «روتين»، لتكسره مرة أخرى في «غواية النمرة».
وترسم صورة للتمرد من خلال «لهو»، وصورة «هروب في «زيته يضيء»، وحتى قصة «ثقب أسود»، التي بطلها رجل لا تنجو من ثيمة العجز واللا حيلة والخيبة التي تسم غالبية بطلات المجموعة، وهو الأمر ذاته الذي يواجهه أيضًا بطل قصة «بلاسيبو».
وقد نجحت قصة «بكاء آخر»، في إيصال معاناة وأزمة رجل، فيما بدت قصة «دماء باردة»، كقطعة من مشروع روائي تم اجتزاؤه من قبل الكاتبة، تمتع بقدر جميل من التكثيف والغموض المحبب، فيما بدت «مصافحة أخيرة»، مصافحة جميلة أخيرة للقارئ لولا سؤال موجه للقراء ظهرت فيها نبرة خطاب مباشرة غير منسجمة ونسيج السرد الذاتي: هل رأيتم الفزع الكبير في عيني مسن ذات يوم؟.