كانت المقاربة (البانورامية) للرواية في (بعض) تفاصيلها العالمية والعربية - في النثار السابق - حافزاً لاستثارة قراء زمني النقدي الجميل، لصياغة (بانورامية) جديدة للرواية في المشهد المحلي، الذي لم أكن قد وجدت له ثمة علاقة تربطه بالنسق البانورامي السابق، الذي تتجلى فيه (خطورة) لعب (مارسيل بروست) بالزمن، و(هول) النظرة إلى الإنسان الواحد باعتباره (إنسانين اثنين) في اللحظة نفسها!.. ولكن لندع المقارنات لوقت قريب، لنقرأ سوياً
بانوراما (تناسب ضيق الفضاء) للرواية المحلية،كما تخيلتها:
(1) تركي الحمد
الرواية عندما تستقرئ واقعاً يرزح تحت وطأة الأيديولوجيا والسياسة معاً، أو لكأنها الوسيلة الممكنة لأكاديمي مثقف، للتواصل مع الحياة والناس عبر صياغة ذلك الواقع الموتور.. تركي الحمد يستثمر الرواية (لتوثيق) معاناة الإنسان مع قوى التسلط الأيديولوجي والسياسي، من غير اهتمام بالتقنيات والتعقيدات الروائية (المؤجلة).
(2) رجاء عالم
الرواية عندما يكتبها من خلق (ليروي) واقعاً آخر من صياغة روحية استشراقية، لفضاءات تمور بالسحر والوجد والطقوس المشبعة ببخور الجان، عبر لغة من أنساغ تلك الصياغة الروحية نفسها.
ولذلك فإن (عالم) تتكفل (بتوثيق) وجود نداءات روحية تنقل الإنسان إلى تلك الفضاءات البعيدة عن هموم
إنسان الواقع المادي (البسيط) ولغته (البريئة)!.. هذا الفعل السردي لوحده يمثل قيمة تقنية (عالية)، تغني عن كثير من إمكانات الرواية.. الخالصة!
(3) عبده خال
الرواية في وعي مخالف لواقع (تركي الحمد) الرازح تحت وطأة الأيديولوجي والسياسي، إذ يرتبط الحال هنا (بتوثيق) معاناة الإنسان وعذاباته مع معوقاته وأزماته الشخصية (الفقر والخوف والعجز والمرض والظلم و..)، من خلال لغة سردية رشيقة، تتسق مع القدرة الطبيعية الخلاّقة لمن فتن بالحكاية داخل الفضاءات المحرمة أو المعذبة أو المستلبة!
(4) يوسف المحيميد
.. هنا يختلف الأمر الذي فيه يستفتي السابقون، إذ الفكر الروائي لدى (المحيميد) يستجيب لحس غارق في الجمال حتى (الشرق أو الغرق)، فتكون المهمة الروائية إذاً توثيق هذه اللحظة الجمالية في الكون والطبيعة والإنسان والتحولات ذات الدهشة، في الأصداء والروائح والألوان في المدن الغارقة في الحنين.. لتكون هذه اللحظة الجمالية - المنتقاة بعناية - هي التقنية السردية الممكنة، مع ذلك الحس المشبع (لآخره) بالجماليات!
(5) عواض الثقفي
الرواية الخالصة عندما تتخلق - بجد - في الوعي القصصي لمنشئها، ولكن مكونها لم يكتمل في الفعل السردي الحقيقي، بفعل هاجس الكاتب (المُلح) بإثبات (الوجود الروائي الحاضر) بأسرع وقت ممكن، أمام سلطة الماضي (الشعرية)، وأسمائه البارزة (الروائية)، مما دعا بالعصيمي عواض إلى الانتقال المؤرّق إلى عوالم بعيدة غير مألوفة بالتقنيات التقليدية، أو إلى محاولة اقتحام مفازات السرد، بتقنيات فنية أقرب لحقيقة الجنس الروائي، وأبعد عن أصداء الجنس البشري (المتلقي) القريب!