ثلاثة وتسعون عاماً مرت على صدور العدد الأول من صحيفة «أم القرى» الرسمية في البلاد التي تخصصت في نشر القرارات الحكومية، والإعلانات الرسمية، وأخبار الوزارات قبل وجود وسائل الإعلام الحديثة وتطور عمليات النشر والتواصل.
كما قدمت الصحيفة دوراً رائداً في نشر الإبداع والثقافة السعودية حيث تولى رئاسة تحريرها أدباء ومثقفون، وقدمت إبداع وفكر أعلام الرعيل الأول، واعترف بهذه الأدوار دارسون ورسائل علمية يعتد بها.
كل هذه الملامح الإيجابية غدت جزءاً من الذكريات فلم يعد لهذه الصحيفة سوى أعباء حمل الاسم، والانطواء على نفسها، وإعادة تدوير بعض المهام التقليدية النمطية عالية الكلفة، وتنمية عزلتها رغم تغير قيادييها في السنوات الأخيرة، ومع ذلك استمر هدر المال العام وضياع جهد الطاقم الإداري الذي لو استغل في عمل إعلامي أوثقافي عصري لكان أجدى وأنفع. والصحيفة مصدر دخل مالي، ونشر الإعلانات فيها يفوق أضعاف إعلانات الصحف المعروفة، والتجار وأصحاب المناقصات والعلامات التجارية والمواليد من أشهر المعلنين لكن وزارة التجارة حررت أعمالها من هذا القيد، واستفادت من عمليات النشر الإلكتروني، وقد يكون في ذلك بداية نهاية الصحيفة التي يتفاقم عداؤها للنشر الإلكتروني، وموقعها على الإنترنت سيء جداً ولا يليق بمستوى الخدمات الإلكترونية في المملكة.
كل هذا لا يعني أنها مهملة رسمياً ففيها أكثر من مئة موظف، ولديها واحدة من أحدث آلات الطباعة إلى جانب الأقسام الفنية وخطوط الإنتاج الطباعي، وتتعاقد مع شركة محلية لإدارة أعمالها لتقدم أسبوعياً خمسة آلاف نسخة؛ وهو رقم مخجل جداً أمام الهدر الإداري والمالي.
ولا تصل أعدادها إلى المستفيدين، ويجد المعلن عنتاً ومشقة حين يسعى للحصول عليها، وجميع أخبارها «بائتة» وفق تقاليد العمل المهني .
وتأكيداً على دور الصحيفة التاريخي والأمل في إحيائها عقدت دارة الملك عبد العزيز ندوة خاصة عام 2005م تناولت مسيرتها وأدوارها الإعلامية والثقافية، والأمل المعقود عليها، وأشكال تطويرها لتواكب العصر. وفي عام 2007 رصدت وزارة الثقافة والإعلام أربعين مليون ريال لتطوير «أم القرى» ويبدو أن الخطة ذهبت أدراج الرياح، ولم تنعكس على مستوى الصحيفة ولا أدبيات عملها، وقد وعدت الصحيفة عام 2010 بتقديم سلسلة مجلدات ترصد إنتاج الرعيل الأول من المثقفين والأدباء بمباركة الوزير الأسبق، ولم نر شيئاً من ذلك إلى يومنا هذا ؟!
الانتقاد الذي تلقاه الصحيفة غير محدود فقد قال وزير الثقافة والإعلام الأسبق عشية الاحتفال بمرور ثمانين عاماً على نشأتها: «أشعر بالخجل عندما أمسك أي عدد من أعداد الصحيفة وأقارنه من حيث الشكل والمضمون والطباعة مع الصحف المحلية الأخرى» ومن يتصفح الجريدة الآن أو يشاهد موقعها على شبكة الإنترنت لا يجد عبارات أكثر مما قاله الوزير حينذاك!
إن الأعمال التوثيقية التي تؤديها الصحيفة محدودة النفع اليوم ويمكن أن تصدر كتيبات شهرية عوضاً عنها تقدمها هيئة الخبراء، أو دارة الملك عبد العزيز بالرياض، أو المركز الوطني للوثائق والمحفوظات لتتحول هذه المؤسسة الكبرى ذات الطاقم الإداري المتخصص والآلات الحديثة وخطوط الطباعة المتكاملة إلى قطاع ثقافي يشكل نواة الهيئة العليا للكتاب في المملكة، وأظن ذلك ملفاً مهماً يقع على عاتق الوزير الجديد الذي تولى قطاعاً رائداً تترهل بعض مفاصله، ويعيش بعضها خارج العصر.. وصحيفة أم القرى على رأس القائمة، بكل أسف!.